شو عم يصير | إبداع مأزوم

مادلين جليس:

لم أعد أوافق من قال إن الأزمة جعلت معيشة المواطن السوري تتراجع إلى الوراء، وأنها صيرته محروماً معدماً من أبسط حقوقه، بدءاً من الماء والكهرباء، مروراً بالغاز والمازوت وغيرها من الحقوق (البسيطة)، بل بتُّ على قناعة أن هذه الأزمة أضافت لنا الكثير من الصبر، والكثير الكثير من الخيال والإبداع، نتيجة إضاءة مخيّلاتنا بأفكار حلت محل الكهرباء (المرحومة).

هذه القناعة جاءتني بعد مشاهدة أحد البرامج على إحدى القنوات المحلية يستضيف عدداً من المخترعين، كان من بينهم طفل لم يتجاوز السابعة من عمره، قدم اختراعاً جميلاً لمولدة كهربائية صغيرة تشتغل تلقائياً عند انقطاع الكهرباء، وتتوقف أيضا تلقائياً عند مجيء الكهرباء، هذا إن جاءت فعلاً!

أما الاختراع الثاني الذي قدمه الطفل المبدع في الحلقة فكان عبارة عن قفل للأبواب الحديدية لكراج السيارات، هذا القفل يفتح تلقائياً عند وصول السيارة إلى باب المنزل، ويغلق بمجرد مرورها إلى الداخل، طبعاً هذه السيارة تكون معرّفة على القفل، وبالتالي لن يفتح القفل لأي سيارة غريبة تحاول الدخول.

هذه الاختراعات الجميلة والمفيدة حقاً، تعد إنجازاً للطفل الذي أثبت أن الإبداع لا يتوقف عند حدّ، خاصة عند الأجيال القادمة.

ويأتي بعد ذلك قائل يقول إن الأزمة والحرب أعادت السوريين خمسين عاماً إلى الوراء بل أكثر، وأنه من سابع المستحيلات أن نعود كما كنا قبلها، بل من عاشرها.

أنتم أيها السوريون لا تقدّرون أزماتكم، ولا تحسنون استغلال احتياجاتكم، ولا تدارون على نعمتكم.

ألم يشغل انقطاع الكهرباء مخيّلاتكم بآلاف من الأفكار! ألم يذكّركم بأقربائكم، ويعيد صلة الأرحام بينكم خاصة عند انقطاع الانترنت! ألم يُعِدْ إليكم الكثير من الذكريات التي كادت مخيّلاتكم تنساها لولا هذا الانقطاع.

هذا فقط عن الكهرباء، فما بالكم بكل ما أعطاه لكم انقطاع الغاز والمازوت والخبز من أفكار وإبداعات لا حدود لها.

العدد 1102 - 03/4/2024