نبض المواطن يتدهور… ماذا بعد يا حكومة الوعود؟!

سليمان أمين:

من منا لم يدرك بعد أن المرحلة التي نعيش هي المرحلة الأكثر أهميةً وحساسيةً، ذلك أنها تأتي كولادةٍ جديدةٍ للبلاد، بعد مخاضٍ عسير نجم عن صراعٍ مريرٍ بين قوى الخير وقوى الشر في هذا الوطن، فهل هناك من يريد إعطاء قوى الشر المزيد من الفرص لخلخلة مسار الانتصار الكبير الذي تحقق على أيدي أبناء الشعب المتّحد مع قيادته الصامدة؟ وهل يعرف وزراؤنا المعنيون والمكلفون بتثبيت هذا الانتصار ما يجب عليهم فعله، لا قوله فحسب أمام عدسات المصوّرين؟!

 

سورية لن تكون لغير السوريين

لقد انبرى الشعب السوري مدافعاً بكل ما أوتي من حبٍّ وإخلاصٍ عن قيم البلاد وحدودها ومصالحها، وتحمّل لأجل ذلك الكثير بل وضحّى بالغالي والنفيس، والتزم بمبادئ الجمهورية والتمسُّك بالدفاع عنها مهما كان الثمن، ولكن يبدو أن هنالك من لا يروق له نصر السوريين، ومن يبحث دوماً عمّا يفتّت البلاد، ومن لا شكّ أنه وضع الخطط تلو الخطط لتحل إحداها محل الأخرى أو تكمّلها كي ينجح المخطط الأصلي، وكلمة سرّه منذ انطلاقة الأحداث هي تفتيت سورية.. فهل هناك ابنٌ بارٌّ لهذا الوطن يقبل بذلك ولا يضحّي_ ولو بأبسط الامتيازات_ ليحول دون ذلك، فتجتمع الإرادات كلها لتحمي حاضر سورية ومستقبلها؟!

ماذا فعلتم؟

هل يعتقد بعض الوزراء أنهم سورية كلها؟ وبالتالي فإن أي انتقادٍ لهم هو بمثابة هجومٍ ناجمٍ عن مؤامرة؟! فالكثير من أولئك الوزراء والحكوميين ومن في حكمهم تصدّر الشاشات مؤخراً ليتحدث عن مؤامرة ما بعد المؤامرة، وأن لديهم اطلاعاً على فصولها الجديدة، فما هي خططهم الاحترازية لمواجهة ما هو معروف لهم أنه سيحدث؟

 

تصريحات وإجراءات

حكومية غير مسؤولة

في ذروة الأزمة قفز بنا وزير النفط والتصريحات المتناقضة إلى خطط استراتيجية للعام 2033! بينما العجز واضح في تأمين حاجات السوق لأشهر. وما البطاقة الذكية التي اقتحمت آمال الشعب منذ عام 2014 سوى بطاقة أحوال شخصية واجتماعية جديدة، ومرآة تعكس التقصير الحكومي. كيف يخرج علينا وزير الكهرباء ليقول إن سبب أزمة الكهرباء هو عدم كفاية الغاز المغذي للشبكة، بينما يقول وزير النفط إن لديه ما يكفي؟ هل أقنع بذلك اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء؟ بالطبع لا، فتلك اللجنة أيدت مؤخراً مقترح وزارتيْ الاقتصاد والنفط، نعم، وزارة النفط نفسها، بالسماح لغرف الصناعة باستيراد مادة الغاز براً من دول الجوار، بما يعني أن كل وعود وزير النفط وبياناته النفطية الغازيّة خالية من المصداقية، وهي نوع من المسكّنات الحكومية. وبالرغم من صعوبة الحصول على البنزين، لم يتورع وزير المالية أيضاً عن صبّ هذا البنزين على نار التصريحات المتناقضة العجيبة، حين استلّ مؤخراً من خزينته تصريحاً لا تصريف له في أي نوع من الأسواق قائلاً: (لا توجد أزمات غاز، ولا مازوت، ولا خبز، ولا كهرباء، والأزمات صنعتها وسائل التواصل الاجتماعي التي تُدار من الخارج…)!

وبالطبع فمن غير المستغرب أن يقول وزير المالية ما قاله، وهو القائل أيضاً: (لا يوجد فساد في مؤسساتنا)! ولعله يغيّر رأيه فيما لو اطّلع على آخر إحصائيات (الشفافية الدولية) التي وضعتنا في مرتبة متقدمة مع الصومال وجنوب السودان في مؤشر الفساد.. فهل سيقرّ الوزير بذلك أم أنه سيقول إن مؤشّر الفساد العالمي مجرّد افتراء فيسبوكي معادٍ لروح النزاهة والحقيقة؟!

 

الدعم المالي للرغيف يطعم المعمورة كلها!

تصوّر الحكومة المواطن وكأنه خديج في السياسة والاقتصاد والوطنية والفهم والاستيعاب، فما يُتلى على هذا المواطن من تصريحات وأحكام لا يرتقي إلى المستوى المنطقي، ولا يشير البتّة إلى وجود اعتبار واحترام لهذا المواطن من قبل المسؤولين في الحكومة، فمن تصريح وزير الكهرباء قبل أسابيع حول القدوم الفجائي للشتاء في شهر كانون! إلى تصريح معاون وزير النفط الذي نفى وجود أزمة غاز معلّلاً الازدحام وطول الطوابير بتزايد الطلب، إلى ما سبق أن ذكرناه من تصريحات، تُضاف إليها تصريحات لا يقبلها عاقل ولو أنها صدرت عمّن يُفترض أنه أعقل الحكوميين حين قال (إن الحكومة تدفع يومياً ما يزيد على المليار ليرة سورية دعماً لمادة الخبز)! وبالتالي فإن هذا الرغيف الذي نشتريه من الحكومة بحوالي ست ليرات سورية، يكلّف الحكومة قرابة ثلاثين مليار ليرة شهرياً و365 مليار سنوياً! فأية معادلة هذه (من المطحنة إلى الرغيف) التي تصل إلى هذا المبلغ السنوي المرعب؟! ألا يُطعم هذا المبلغ سكان المعمورة كلها خبزاً مدعوماً؟! ألا يستدعي هذا الرقم أن يقول المواطن: أعطونا دعم الرغيف المالي وخذوا الخبز كله لكم؟!

 

غربال الأزمة!

في الفترة الأصعب لم يجد الشعب السوري من يسانده ولو معنوياً فقط في حل مشاكله، فمجلس الشعب المنتخب زاد عليه الطين بلّة حين اتهم نداءات الشعب للحكومة بتأمين عيش كريم بأنها مُدارة من الخارج، وهذا بالرغم من أن غربال الأزمة خلال ثماني سنوات لم يترك مواطناً يفكّر بالشغب أو التمرّد أو التحالف مع قوى شيطانية ليؤمّن قوت يومه وغاز مطبخه وكهرباء بيته وحرارة هاتفه وأثير وسائل تواصله. ومع ذلك يبدأ الحكوميون، ومعهم المؤسسة البرلمانية متجسدة برئيسها، بصياغة الاتهامات وسن التشريعات الصادمة لهذا الشعب من أجل العدول عن مطالبه العادلة، إذ كيف لمواطن أن يقتنع بأزمة الكهرباء في الوقت الذي يقول فيه وزير النفط إن التوريدات وصلت وعقود الشراء بمئات آلاف الدولارات؟! وكذلك الأمر في باقي أنواع الخدمات، وكيف تدعو الحكومة الناس للصبر والسلوان وأفرادها لا يعترفون أصلاً بالأزمات؟!

 

(قيصر) الأمريكي على الدولة لا نريده حكومياً على الشعب!

لقد اطلع كل الشعب على أنواع المؤامرات التي حيكت، ولعل آخرها قانون (قيصر) الأمريكي، فهل تواجه الحكومة (قيصر الأمريكيين) على الدولة، بقيصر حكومي على الشعب؟! ومن هم أولئك الذي يتصدرون الشاشات الوطنية و(اليوتيوب) بين الفينة والأخرى ويهددون المواطنين بأساليب الاستخبارات الدولية فيما لو تمادى أولئك المواطنون بالمطالب المحقة، تلك المطالب التي بات المذكورون يُرجعونها إلى خطط ونوايا استخباراتية معادية؟! متى كان السوريون يجهلون الرابط الحقيقي بينهم وبين قيادتهم؟ ألم تُكلل سنوات التصحيح في القرن الماضي بالنجاح المعقول حين أوصت القيادة المواطنين بعدم السكوت عن الخطأ أو التستُّر عليه؟! ثم ألم يبدأ عصر التحديث والتطوير في مطلع القرن الحادي والعشرين بالمبادئ نفسها؟! فمن هم أولئك الذين يريدون إحداث شرخ بين روابط الشعب السوري مع قيادته؟ ومن هم أولئك الذين لا يريدون إصلاح الوضع الحالي في البلاد سوى المستفيدين من الخلل ومسببيه؟! فليس من المعقول كلما صدحت حناجر المواطنين بمطالب عادلة، وضع تلك المطالب في خانة المؤامرة الجديدة وضمن قوالب التخوين الشامل، فعلى من يخوّن الآخرين بناءً على مطالبهم البسيطة أن يؤمّن تلك المطالب بأسرع من البرق، ليقطع الطريق على المؤامرة والمتآمرين، ذلك أن بعض الإنذارات والتهديدات الصادرة عن أشخاص باتت مقلقة للمواطنين، فهذا الذي يدعو إلى تغريم الفيسبوكيين مالياً، وذلك الذي يربطهم بأوامر خارجية، وآخر تقوده مواهبه الاستخباراتية الدولية إلى اعتبار الشريحة الشعبية المطالبة بالتغيير والاصلاح وتأمين الخدمات على أنها فئة عميلة للروس، موظِّفاً بذلك تراكمات الخلاف الروسي الإيراني على الأرض، والذي لا جمل فيه للشعب ولا ناقة…فلماذا كل هذا؟ ولماذا نجد له استجابة حكومية؟!

وختاماً فإن ما يدين العمل الحكومي أكثر بكثير مما يعفيه من المساءلة، أما المحاولة الحكومية في الرفع الوهمي اليومي من معنويات المواطنين فلن تؤدي إلى نتيجة إيجابية لصالح المقصّرين المستهترين من المسؤولين غير القادرين على تلبية مطالب الشعب وتنفيذ توجيهات السيد رئيس الجمهورية في هذا الخصوص، وكل المداخلات ومحاولات التصويب الحكومية حتى تاريخه ما زالت حبراً على ورق وذرّاً للرماد في العيون، بانتظار خطواتٍ عملية صادقة وجادّة يلمس المواطن أثرها على الارض فوراً.

العدد 1104 - 24/4/2024