كي يقف الهرم على قاعدته لا على رأسه!
طلال الإمام/ السويد:
طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يشبه التهديد، حلفاءه الأوربيين بالسماح للإرهابيين من داعش والنصرة وأشباههما، الذين يحملون جنسياتها، وتأمين عودة آمنة لهم إلى تلك البلدان، محذّراً من أن عدم استقبالهم يحمل تبعات خطيرة. الحديث يدور عن الإرهابيين الذين على ما يبدو انتهت مهمتهم في سورية والعراق ومشروعهم في طريقه للفشل.
لنعد إلى البداية!
قامت الولايات المتحدة، فرنسا بريطانيا وألمانيا وغيرها منذ بدء الحرب على سورية، بتسهيل توجه آلاف الإرهابيين الذين يحملون جنسيتها لممارسة مختلف أشكال الجهاد في سورية. في الوقت ذاته قامت تركيا بفتح حدودها أمامهم لتسهيل دخولهم كما أقامت مراكز للتدريب. أما حكام الخليج فكان دورهم التمويل والدعم الإعلامي واللوجستي. الآن يتقهقر الإرهاب الداعشي وأمثاله بسرعة، وتعود معظم الأراضي لسيطرة الدولة السورية.
ما العمل؟
أدت هذه التطورات إلى إرباكات لدى جميع تلك الأطراف والأوربية منها بشكل خاص.
أولاً_ سهّلت هذه الدول خروج الإرهابيين من أراضيها، لا من أجل أن يعودوا إليها. فقد كانت ترمي إما إلى أن يُفلحوا في تنفيذ أجندتها أو يُقتَلوا. لكن ما لم يكن بحسبانها هو أن ترَدَّ بضاعتهم إليهم، الأمر الذي أقلقهم والآن يربكهم.
ثانياً_ أتت مطالبة ترامب السماح بعودتهم إلى خلق حالة من اللاتوازن في مواقف وتصريحات تلك البلدان الأوربية. فهناك من أعلن موافقته، وهناك من رفض، وقسم آخر صامت، والبعض صرح باستحالة محاكمتهم كونهم لم يرتكبوا أية جريمة فوق أراضيها (لكن واقع أنهم ارتكبوا مجازر في بلدان أخرى وبمعرفتهم مسألة فيها نظر.. تبّاً!).
إن عودة إرهابيين مدربين على القتل والتدمير تثير قلقاً لتلك البلدان وهي التي عانت من إرهابهم بأشكال مختلفة. من جهة أخرى، وبعد أن قامت وسائل إعلام تلك الدول في الفترة الأخيرة بتعبئة الرأي العام ضد ممارسات الإرهابيين فإن شعوب تلك البلدان لن تقبل بسهولة عودتهم أو الصفح عنهم هكذا ببساطة.
العجيب في الأمر أن وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية السائرة في فلكها تحاول وضع الهرم على رأسه، فهي تسلّط الاضواء على عودتهم أو عدمها من نواحٍ (إنسانية)، على حالات النساء والأطفال الذين التحقوا بالإرهابيين ( ياحرام!)، مع محاولة التعمية على الجرائم التي ارتكبوها بحق نساء سورية ، وأطفالها وشبّانها نحراً وخطفاً، والتدمير الذي ألحقوه ببنيتها التحتية.
تتناسى وسائل الاعلام تلك جميع جرائم داعش والنصرة وأشباهها على مدى أكثر من خمس سنوات؟ أمر يدعو للريبة والتساؤل عن أسباب محاولات التغطية على جرائم موصوفة في قوانين الأمم المتحدة وجميع الشرائع… جرائم ضد حقوق الانسان، المرأة والطفل. ويسعى البعض كي تفلت من العقاب هكذا بكل بساطة وفي ظل حملة تضليل واسعة.
الملفت للنظر أيضاً أن بعض القوى لا تبحث عن اجتثاث الإرهاب وإنزال العقاب بمن يمارسه، كما تدّعي، وإنما تستغل الأمر لتحقيق أجندات بعيدة كل البعد عن العدالة ومكافحة الإرهاب. مثلاً، تعلن ميليشيا (قوات سورية الديموقراطية_ قسد) أنها تعتقل الكثير من الدواعش وتهدّد بأن الانسحاب الامريكي قد يؤدي إلى فرارهم؟ عجباً من هذا المنطق! حسناً، لماذا لا تسلّم قسد هؤلاء الإرهابيين للدولة السورية التي ارتكبوا جرائمهم فوق أرضها؟
أخيراً، إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدى قبل قوات التحالف الدولي، بزعامة أمريكا التي تدعي مكافحة الإرهاب، وهذا ما أشك فيه، رغبة في حل هذه المسألة وفق الشرعية الدولية ومن أجل عدم تكرارها، من أجل توجيه رسالة لكل من تسول له نفسه ممارسة أيّ شكل من أشكال الإرهاب مستقبلاً بأنه لن يفلت من العقاب.
توجد باعتقادي أساليب أخرى منها:
1-إقامة محكمة دولية بإشراف الأمم المتحدة لمحاكمة إرهابيي داعش وغيرهم على جرائمهم وإنزال العقاب الذي يستحقونه. أو:
2-تسليم هؤلاء الإرهابيين لحكومات البلدان التي ارتكبوا فوق أراضيها جرائمهم ونكّلوا بشعبها، لمحاكمتهم بإشراف دولي. أو:
3_ أن تقوم البلدان الأوربية التي دعمتهم، بسحب الجنسية التي اكتسبوها وإعادتهم إلى بلدهم الأول، إذا كانت لا تريد هي محاكمتهم فوق أراضيها تحت حجج غير مقنعة.
طبعاً يمكن أن تكون هناك إجراءات أخرى، المهم أن لا يفلت الإرهابي من العقاب الذي يستحقه، وكفى خداعاً وكذباً!
هذا إذا كانت تريد فعلاً إيقاف الهرم على قاعدته، لا على رأسه.