حقوق المرأة… القضيّة الجدليّة المستمرّة (قراءة في التّعديل الأخير)

ريم الحسين:

شهد الأسبوع الفائت جدلاً واسعاً حول تعديلات طالت قانون الأحوال الشّخصية السّوري، الّذي عدّل فيه بحدود السّبعين مادّة معظمها لصالح المرأة والطّفل، نتيجة الضّغوط ومطالبات المجتمع المدنيّ، وتماشياً مع متطلّبات المرحلة والحداثة، بعد أكثر من ستّين عاماً على التّعديل الأخير، والّذي هو بالأساس قانون مهترئ قائم منذ مخلّفات الاحتلال العثمانيّ مهما بلغت عليه التّعديلات.

وكانت أبرز النّقاط المتداولة:

-إعطاء الولاية على القاصر، للمرأة، بعد انتهاء العصبات من الذّكور.

– رفع سن الزّواج لـ 18 عاماً للجنسين.

– للمرأة حقّ السّفر بأطفالها بموافقة الزّوج، كما لا يحقّ للرّجل

السّفر بأطفاله دون موافقة المرأة.

– من حقّ المرأة وضع شرط العمل في عقد الزّواج.

– من حقّ المرأة بعد موافقة الرّجل وضع العصمة بيدها.

– تغيير اسم (عقد نكاح) إلى (عقد زواج).

– إدراج عبارة (يحلّان لبعضهما) بدلاً من (تحلّ له).

– يحقّ للمرأة تزويج نفسها دون الرّجوع إلى وليّ أمرها، في حال عدم موافقته على الزّواج دون تقديم أسباب مقنعة.

– يعتبر الزّواج باطلاً في حال أُجبرت المرأة عليه من قبل وليّ أمرها.

– السّماح بوجود شرط خاص يقيّد الزّوج من الزّواج بزوجة ثانية أو إجبارها على الإقامة معها.

– تساوي أبناء البنات مع أبناء الابن بالوصيّة الواجبة.

– انتقال الحضانة إلى الأب بعد الأمّ.

– اعتبار المخالعة فسخاً لعقد زواج.

– اعتماد البصمة الوراثيّة DNA لتحديد نسب الطّفل.

– اعتبار العدّة من تاريخ صدور القرار بالتّفريق.

– مراعاة التغييرات الّتي تطرأ على العملة والمهر .

– الالتزام بنفقة الأقارب حتى و لو كانوا من دين مختلف.

اللّافت أنّ هذه التّعديلات تعرّضت لانتقادات واسعة من جهات حقوقية ومدنية، بما أنّها أساساً وضعت ضمن شرط (عدم مخالفة الشريعة) وأنّه ما دامت القوانين تخضع لقيودٍ دينيّة، فلن تحقّق أيّ تغيير يُذكَر، وأنّها قوانين مازالت مجحفة بحقّ المرأة. فمثلاً البنود المتعلّقة بالشّروط الّتي يحقّ للمرأة وضعها في عقد الزّواج هي موجودة ضمن الشّرع لكن لم تكن مفنّدة هكذا، وإنّما بالعموم، ولم تضع المرأة على مرّ الزّمن أيّ شروط إلّا نادراً، وذلك لأعراف اجتماعيّة أو لغيرها، أي أنّ التّعديل في هذه النّاحية هو مجرد إضافات ليست ذات قيمة تُذكَر، فبعد أكثر من نصف قرن كان الأجدر أن تكون التّعديلات على نحوٍ يتماشى مع التّطلعات. فمازال قانون الأحوال الشخصيّة الحاليّ يفرّق في الميراث والشّهادة، ويذكر القِوامة، ويمنع زواج المسلمة من دين آخر، ويعاقب الرّجل المسيحيّ الّذي يُشهر إسلامه إذ يحرمه من إرث عائلته الّتي ولد فيها بسبب اختلاف الدّين، فلا يحصل على شيء من إرث أبيه أو أمه أو إخوته أو أحد أقربائه، ويعاقب المرأة المسيحيّة التي تتزوّج من مسلم، فهي لا ترث زوجها أو أولادها في حال وفاة أحدهم قبلها، وهي تُحرم من حضانة أولادها في حال طلاقها، لأنّ الحضانة تُعطى (للأشرف الدّينيّ// ديناً )كما ورد في جميع قرارات المحاكم الشرعية بحسب بعض المحامين، فقد رأى هؤلاء أنّ هذا القانون مازال يمنع صناعة (المواطن المنتمي للوطن) و يحرص على استمرار تفوّق الانتماء الطّائفي على الانتماء الوطني.

الجيّد في التّعديلات الأخيرة هو رفع سنّ الزّواج، الّذي يمكن أيضاً الالتفاف عليه بكتاب خارجيّ (شيخ). وتغيير اسم العقد من (عقد نكاح) إلى (عقد زواج)، وهذا جيّد، ذلك أنّ المصطلح القديم بات معيباً في حقّ دولة أتى إليها كلّ مرتزقة الأرض واستغلّوا النّساء بحجة (جهاد النّكاح) في دولة تطلّعاتها أن تصبح دولة علمانيّة يوماً ما.

في المقلب الآخر رأى البعض أنّها خطوة مهمّة جدّاً، فالتّغيير الجذريّ لا يكون دفعة واحدة، فيصيب المجتمع التّخبط والعصيان نتيجة تعديلات لا تتناسب وشريعته ومعتقداته وعاداته، وأنّها كبداية جيّدة ومؤشّر على التّأثير البعيد المدى لاختراق القوانين والعادات البالية، ذلك أنّنا نحتاج إلى وقت لننتقل إلى الدّولة المدنية العلمانيّة، والتّعديل التّدريجي سيكون الحلّ الأمثل.

وتجدر الإشارة إلى امتعاض البعض من أصحاب القبليات والتشدّد الدّيني، رغم أنّ التّعديلات حتّى الآن لا تخالف ولو بجزء بسيط من شريعتهم، وقد أتت من قسم الأحوال الشّخصية في كليّة الشّريعة وليس من حقوقيين ناشطين في الدّفاع عن المرأة أو جهات مدنيّة، وكان (حقّ المرأة في تزويج نفسها دون الرّجوع لولي أمرها) هو أكثر النّقاط جدلاً، فالمرأة_ بحسب زعم هؤلاء_ (لا تعرف الاختيار الصّحيح لمستقبلها ومستقبل أطفالها حتّى لو كانت عالمة ذرّة، والرّجل هو القادر على اتخاذ القرارات ولو كان أميّاً)! والمثير للدّهشة أنّ هذه النّقطة موجودة بالفعل ضمن تعاليم الدّين، إذ يحقّ للمرأة الّتي يجد القاضي أن لا سبب في منع زواجها أن يزوّجها، لكن ضمن أطر معينة وأخذ وردّ. القانون الحالي وضع حدّاً لهذا الإشكال وأيضاً مازال يعود ذلك لتقدير القاضي وليس لحريّة المرأة فقط في اختيار شريك حياتها.

وأما موضوع إلغاء الزّواج بحال الإجبار، فهو شيء بديهيّ، فحتى ضمن تعاليم الدّين فإن الموافقة مطلوبة، وموضوع ولاية المرأة على الأطفال بعد أن كانت وصاية، لم يتغيّر شيء، فلن تنتقل لها الولاية إلّا في حال تجاوز العصبة الذّكور الّتي كانت سابقاً تعود للقاضي.

وكما ذكر سابقاً فإنّ التّعديلات ليست بجديدة، حتّى سفر المرأة مع الأطفال لا يتمّ دون موافقة الرّجل، والجيّد في التّعديل أنّ الرّجل أيضاً لن يحرم المرأة من أطفالها كما كان سابقاً دون إرادتها، والشرح يطول. لكن بالمجمل كان لديهم ربما مخاوف من أن تتمدّد هذه الظّاهرة مستقبلاً، ويُلغى القانون الحالي ويوضع قانون جديد كليّاً لا يتناسب مع معتقداتهم.

ولا يخفى على أحد أنّ لكلّ دينٍ أو طائفة قانونها الخاص، وأنّها نادراً ما تلتقي في المحاكم لأسباب تتعلّق بالأحوال الشّخصية، ومن يفعلها ليضمن سلطة القانون يُعتبر مرتداً وخارجاً عن الدّين أو الطّائفة ومنبوذاً، لذلك، فإن الحلّ الوحيد لتوحيد المجتمع هو قوانين مدنية تفصل الدّين عن الدّولة والمجتمع، وعلى المدى الطويل سيلتزم الجميع، لا أن تكون القوانين حكراً لفئة بحجّة الأكثريّة، وهذا الحل يحتاج إلى الوقت لإعادة تأهيل المجتمع وقبوله، وأن يرضخ الجميع لسلطة القانون، وخصوصاً بعد هذه الحرب الّتي حاولت استهداف المجتمع السّوري وتفتيته، وكان أهمّ أهدافها  إيجاد شرخٍ طائفيٍّ وضرب السّلم الأهليّ. وقد قدّم المجتمع السّوري بكل أطيافه الدّماء للوقوف بوجه هذه المخطّطات، فهذا المجتمع يستحقّ أن تكون له قوانين موحّدة تجمعه، وأن تكون السّلطة الأعلى للقانون والانتماء للوطن قبل الدّين والطّائفة، وتستحقّ المرأة السّورية الّتي أثبتت في هذه الحرب أنّها جنباً إلى جنب مع الرّجال في هذه المعركة، وقدّمت التّضحيات سواء كنّ مقاتلات أو مسعفات أو على الأقل أمّهات وأخوات وبنات شهداء وجرحى ومخطوفين، ومنهنّ من استشهدن وتضرّرن، وهذه الحرب الّتي طالت الجميع، فلنعطيهنّ حقوقهنّ الإنسانيّة بعيداً عن الظّلم والقهر الّذي عانَين منه على مرّ العصور.

لن تتحضّر المجتمعات إلّا بنهضة نسائها، وهذا جليّ في أغلب الدّول المتقدّمة الّتي لم تصل إلى ما وصلت إليه إلّا بعد أن تركت الدّيانات والمعتقدات في أماكنها الصّحيحة، وحرّرت المجتمع وأنصفت المرأة بالقوانين الإنسانيّة العادلة.

إلى متى ستبقى سائدةً ثقافةُ أنّ المرأة تابعة للرّجل وليست مكمّلة له؟ متى نتخطّى الموروث القبليّ والدّينيّ نحو مجتمع أكثر تقدّماً وتطوّراً له تطلّعاته في غدٍ أفضل؟

ونستذكر هنا قول القائد الثوريّ الحقيقيّ غيفارا: (علّموا أولادكم أنّ الأنثى هي الرّفيقة، هي الوطن، هي الحياة).

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام!

العدد 1102 - 03/4/2024