ازدواجية الشباب داءٌ يُطيح بالحياة

إيمان أحمد ونوس:

لعلّنا نُدرك أن للشباب رؤاهم وأفكارهم المختلفة عن الأجيال التي سبقتهم، فهم ميّالون للانفتاح بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ متعددة ومتنوعة، والأهم أننا نجد غالبيتهم مؤمنون بالعلم طريقاً لخلاصنا من التخلّف، مثلما هم مؤمنون بحق الفتاة/المرأة في الحياة مثلهم تماماً.

شباب يؤمن بالصداقة بين الجنسين، ويعزز هذا المبدأ بالتشاركية في كل مناحي الحياة.

لكن، إذا ما أمعنّا النظر في مسلكيات البعض ضمن محيطه وأسرته، نجد أن في أعماقه رجلاً آخر مختلفاً عمّا يُعلن، صحيح أنه رجل يرتدي الجينز، ويصفف شعره بطريقة عصرية، لكنه في الوقت نفسه مُعتّق بأفكار قديمة، لا يلبث أن يخلع قناعه العصري رافضاً أن يكون لأخته عالمها وصداقاتها بحجّة أنه عانى الكثير ممّا رآه من فتيات هذا العصر.

هو ذلك العاشق الذي يقدّس الحب ويقدره، وفي الوقت نفسه هو ذلك الشاب التقليدي الذي يضع الحب ضمن لائحة الممنوعات والمحظورات إذا ما فكّر في الزواج، لأن التوجّه إلى المرأة بطريقة تقليدية، يمنحه امتيازات كثيرة، ويوفّر له احتياجاته وأسباب رفاهيته وراحته.

غير أن الفتاة لا تقلُّ عنه مراوغةً في كل الأمور السابقة، وليست بريئة من تهمة الازدواجية، فهي مهما تبجّحت بالأفكار التحررية، ومهما آمنت ظاهرياً بحياة بسيطة عندما تعيش حالة حبٍّ، نجدها تتنازل عمّا تؤمن به تدريجياً لتقوم بتكريس الدور التقليديّ تجاه نفسها أولاً عبر اشتراطات خيالية في حال فكّرت أو أقدمت على الزواج، مُعلنةً أنها لا تريد أن تعيش حياةً قاسية مُتقشّفة، وتتنازل عن حقّها في العمل لأن الرجل هو المسؤول عن تلبية احتياجات الزواج والأسرة، مُكتفية بدور الأنثى التي تنتظر مُعيلها وهي في أبهى زينتها ودلعها، مُتناسية أن الحياة الاقتصادية لم تعد تُمكّن الرجل من الوفاء بالتزاماته منفرداً، وأن الحياة العصرية قائمة على التشاركية بينهما. وعندما تُصبح أمّاً نراها تُعزّز التربية التقليدية تجاه أبنائها من الذكور والإناث، ولا تسمح لابنتها بأن تنطلق في الحياة أو أن تتنفس هواء الحرية أبداً بذريعة أنها لا تريد لابنتها أن تحترق بنيران المجتمع.

لا ريب أن وراء هذه الازدواجية أسباباً عديدة وقاهرة، أهمها القيم المجتمعية- الدينية المتجذّرة في حياة الناس والتي تقيّد الجميع بقيودها البالية. وكذلك عدم قدرة أولئك الشباب (من الجنسين معاً) على المواجهة في فرض رؤاهم المتطورة، أو لعلّها عدم قناعة البعض بأهمية وضرورة تلك الرؤى من أجل أن النهوض بالمجتمع.

فهل ينهض شبابنا من سُبات ازدواجيتهم؟ وهل يستيقظون على التصالح مع أفكارهم عن المساواة والتحرر، ليرتقوا بأنفسهم والمجتمع؟!

العدد 1104 - 24/4/2024