سياسات الإفقار والتهميش.. لماذا؟

ثماني سنوات تعرض فيها المواطن السوري لأقسى أشكال المعاناة، لكنه ظل صامداً، ونشدد هنا على صموده الأسطوري الذي كُتب وستُكتب حوله آلاف الصفحات، أمام غزو الإرهاب، ومحاولات التفتيت الطائفي، وسيناريوهات العدوان على سورية وتقسيمها، والنيل من صمودها.

صمد المواطن السوري في وجه الحصار الاقتصادي الجائر، وشدَّ على البطن أكثر فأكثر، واخترع وسائل مبتكرة لتدبير حاجاته الأساسية ولقمة عيشه، فنجح مرة، وأخفق مرات.. وتحول إلى خانة الفقر الشديد مرغماً، لكنه وقف على المتاريس خلف جيشه الوطني، مدافعاً عن بلاده في وجه أشرس اجتياح إرهابي مدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها، وكان مطلبه الوحيد هو مساعدته ليبقى صامداً، ليدافع عن سورية، ويمنع تقسيمها وتفتيتها، لكن هذا المطلب كان كما يبدو ثقيلاً على أصحاب القرار!

انعكاس كلٍّ من الأزمة.. وغزو الإرهاب كان شديداً على الطبقة العاملة والمزارعين الصغار والفئات الفقيرة الأخرى، لذلك طالبنا بزيادة الدعم الحكومي لهذه الفئات، وحجبه عن الفئات الثرية، وذلك عن طريق توجيه الدعم إلى مستحقيه فعلاً، وزيادة الأعباء الضريبية على الفئات الغنية، وإعفاء الفئات الكادحة ومستلزماتها المعيشية والخدمية من هذه الأعباء. لكن ما حصل فعلاً هو تحميل هذه الفئات الشعبية أعباء تداعيات الأزمة والغزو والحصار، عن طريق تجاهل معاناتها المعيشية والاجتماعية وتهميشها، فتقلص الدعم الحكومي لأهم المواد والخدمات، وحُرِرّت أسعارُ البنزين والمازوت والفيول الخاص بالتدفئة وبالقطاعات المنتجة، ورفعت الحكومة سعر الخبز، وهو المادة الرئيسية في غذاء الفقراء، وارتفعت بشكل متصاعد أسعار السلع الأساسية والأدوية، وجرى رفع منظم لنسب الضرائب غير المباشرة، فوصلت إلى نحو 100%، وهذه الضرائب ظالمة حتى في زمن السلم، إذ يتساوى في دفعها الفقير والغني.

لماذا نستسهل إيجاد الحلول على حساب الفئات الفقيرة؟ ثم نضع التشريعات التي تحفّز.. وتشجّع.. وتدعم الفئات الثرية.. المقتدرة، والطفيليين، الذين نبتوا كالفطر في كل مكان؟

لماذا لم نلجأ منذ بداية الأزمة، ولماذا لا نلجأ اليوم، إلى تعديل التشريعات، لرفد خزينة الدولة من مراكمي الأرباح والريوع الكبيرة، ومن محاسبة الفاسدين والمتهربين من الضرائب وأصحاب الصفقات الكبرى؟

إن تحرير أسعار المشتقات النفطية، وعدم حل المشكلات التي تعترض الصناعة الوطنية بشقّيها العام والخاص، وزيادة الضرائب غير المباشرة، وعدم حسم مسألة التهرب الضريبي، للقطع الكبيرة، ولتجار الأزمات، والتهاون في قمع الفساد الكبير قبل الصغير، وتراجع الحكومة شيئاً فشيئاً عن الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة والمتوسطة، بذريعة (عقلنة) الدعم، وتجميد الأجور، وترك الأسواق يتحكّم بها أثرياء الحروب والأزمات والحيتان الكبيرة، إن كل ذلك يصب في النهاية في استفحال حالة الركود الاقتصادي، وتأزيم الجماهير الشعبية، وإفقارها.. وهي التي تُعدّ بجميع المقاييس سند سورية في مواجهة الإرهاب التكفيري الأسود، ومخططات التقسيم.

ونسأل هنا: إذا كانت القيادة السياسية تعظّم تضحيات جماهير الشعب السوري، وتقدّر وقوفها في مواجهة الإرهاب، وتعوّل عليها في صدّ أي عدوان خارجي، فمَن اختار اللجوء إلى سياسة الإفقار وتهميش المطالب الحيوية لهذه الجماهير.. وهمّش معاناتها.. دون الأخذ بالحسبان حقيقة أثبتتها شوارع المدن العربية المنتفضة ضد الفقر والجوع والاستبداد: (إن إغضاب الجماهير الواسعة يعني استدعاء الهزات الاجتماعية)؟!

من اختار تعذيب الفئات الفقيرة والمتوسطة التي تئن اليوم بحثاً عن الدفء واللقمة والدواء، في ظل تراجع لأجورها الحقيقية أمام الغلاء الذي لم يجد من يكبحه؟

لماذا ينتظر المواطن الفقير ساعات وساعات، وأياماً وأياماً ليحصل على أسطوانة غاز، أو على بضعة ليتراتٍ من المازوت، بأسعارٍ مضاعفة أحياناً، متحمّلاً أشكالاً من الإذلال والمهانة، في الوقت الذي تتوفر هذه المواد وغيرها في بيوت الأثرياء والمقتدرين خلال لحظات؟

هل عجزت الحكومة، عن توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لمواطنٍ ظل ثماني سنوات واقفاً على المتراس دفاعاً عن بلاده؟

أين ما تعهدت الحكومة بتنفيذه، وكررته، في بيانها أمام مجلس الشعب؟ أم أنها ترى أن (لكلّ مقامٍ مقال)؟!

الإرهابيون مازالوا على الأرض السورية، ولو أنهم حشروا في جيبين صغيرين، والإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها يحضرون اليوم سيناريو جديد لتأزيم الأوضاع في سورية والمنطقة بأسرها، وشعبنا مازال صامداً خلف جيشه الوطني بهدف الانتصار النهائي على الإرهاب، ومواجهة المخططات الساعية إلى تقسيم سورية، والنيل من استقلالها، وهذا ما يتطلب اليوم تصليب هذا الصمود لا كبحه، المسألة هنا لا تتعلق بتأمين مادة.. وتوفير خدمة فقط، بل بإحساس المواطن الصامد بأن الحكومة معه.. مع صموده.. مع وقفته الوطنية مع تضحياته.

كل الجهود من أجل معالجة معاناة الجماهير الشعبية وبسرعة.

العدد 1102 - 03/4/2024