عوائق حل الأزمة السورية بين الضرورات الوطنية والمصالح الأجنبية

الدكتور منير الحمش:

يأتي السؤال المتعلّق باستمرار (الأزمة/الحرب) في سورية في الوقت المناسب، (فالأزمة/الحرب) كما تبدو الآن في نهايتها، وقد تبدو هذه النهايات قريبة، كما قد تبدو بعيدة، لكن الأكيدَ أنَّ المسارات تبدو وكأن الأمر يقترب من الحسم، ويؤكِّد ذلك:

1.وضوح الأهداف والغايات لدى الأطراف المؤثرة، إذ أصبحَ واضحاً أن كل طرف بات على علم بما يريده باقي الأطراف، والاقتراب من الحسم يفترض وقفة مراجعة لما حصل، وكيف تمت عملية التعامل معه، وانتهاج أساليب وآليات جديدة لمواجهة متطلبات المرحلة.

2.التعب الذي بدأ يدب في تصرفات وأعمال مختلف الأطراف، ما يعني استنفاد بعض أغراض ما حصل، تحديداً ما يتسبب في زتدميرس سورية، وإنهاك نظامها السياسي والاقتصادي، وتفكيك سلمها الاجتماعي، الهدف الذي ترعاه بعض الأطراف الخارجية.

3.التطورات الإقليمية والدولية التي توحي بأن أغلب الجهات المؤثرة في الأحداث، باتت موافقة على أن من العبث استمرار الأعمال الحربية والعنف، وأن الحل هو في العمل السياسي والدبلوماسي.

قلنا إن الأمر يقترب من الحسم، ولكن عوائق الحسم كثيرة، ومنها ما هو أعمق وأمضى وأكثر تأثيراً من العوامل الإيجابية التي توحي باقتراب الحسم.

ولكي نقف على هذه العوائق ونجيب عن سؤال البحث، ينبغي علينا أن نجيب أولاً عن السؤال الآتي:

لِم حدث ما حدث؟ ولماذا قامت الحرب واشتعلت الأزمة في سورية؟ وكيف حدث ذلك؟

إذا حصلنا على جواب هذه الأسئلة الثلاثة، يمكن أن نجيب عن سؤال البحث: لماذا لا تزال الأزمة/الحرب قائمة؟

ولذا، يُعَدُّ مهماً الآن التركيز على الإجابة عن سؤال لماذا؟ وكيف؟!

إذا وصفنا ما حدث ويحدث في سورية، في إطار ما دعاه المخطّطون للحدث، في إطار زالربيع العربيس، نجد أنه لا يمكن فصله عن مجموعة الأحداث في البلدان العربية الأخرى، وهو يتمحور باستبعاد بعض التفاصيل، في مسألة جوهرية واحدة هي الاستراتيجية الأمريكية، التي تتصل بوجه خاص بمسألتين جوهريتين هما:

الأولى، وجود الكيان الصهيوني، واستمراره كقوة محورية في المنطقة العربية لخدمة أهداف الاستراتيجية الأمريكية والأهداف الصهيونية.

الثانية، تتعلق بالنفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى، وبالأهداف الاقتصادية للغرب بعامّة وللولايات المتحدة بخاصّة.

لقد جاءت المسألةُ السوريّة في الإطار الذي تغلب عليه صفة التداخل والتشابك فيما بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية، ويبدو التأثير الخارجي من عدد من الزوايا التاريخية والجغرافية والثقافية التي تظهر بوساطة العلاقات في ومع المحيط العربي والإقليمي والدولي.

ولا يمكن فصل العوامل الداخلية عن العوامل الخارجية، فلكل منها دور ووظيفة، وإذ يستخدم بعض الداخل الضغوط الخارجية لتحقيق أهدافه، فإنه أيضاً وسيلة الخارج لفرض أجندته.

ويلتقي بعضُ الداخل بأهدافه مع الخارج في خيار التغيير بعد فشل تأثيره في مسارات الإصلاح في النظام السياسي، وفقاً لما يحقق له الأهداف التي يتطلع إليها، والتي تتمثل في زإسقاط النظامز والاستيلاء على السلطة، حين رفع شعارات ضبابية تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان دون أن يكون لديه برنامجٌ واضحٌ ومقنعٌ، فقد كان زالمتظاهرونس في بداية تحركهم يتألفون من أطياف ذات مطالب مختلفة لا يضمها برنامجٌ موحّدٌ، وإن كان لدوافعها المعيشية، مكانٌ بارزٌ، ولكن مع التحول نحو الإرهاب والعنف وحرق وتدمير مؤسسات الدولة، بدأت تتوضح معالم جديدة للتحرك تتمثّل في:

-سيطرة التيار الإسلامي متمثلاً في الإخوان المسلمين، على ما يدعى »معارضة« تتبعثر بين عواصم الغرب والخليج وتركيا.

-تنامي دور التنظيمات الإرهابية في الداخل تحت تسمياتٍ تستدعي عناوين سوداء في التاريخ الإسلاميّ تُذكّر بحالاتٍ عنفيّة وممارسات قمعيّة.

-انكشاف التدخل الخارجي تحت عناوين زأصدقاء سوريةس والذي بدأ بحشد كبير بين الدول، تناقص مؤخراً ليضم دول الغرب الأوربي إنكلترا وفرنسا وألمانيا بعامّة، والولايات المتحدة وبعض دول الخليج السعودية والإمارات بخاصّة، وتبلور هذا التدخل في عقد العديد من المؤتمرات وفي مواقف تلك الدول في المحافل الدولية، وفي الضخ الإعلامي غير المسبوق. كما تمثل هذا التدخل ماديّاً في التسليح غير المحدود للتنظيمات الإرهابية، وفي التمويل المالي المباشر لتلك التنظيمات.

العدد 1104 - 24/4/2024