صلاة للعام الجديد… لعل أزمات المعيشة تعالج!

سليمان أمين:

مضى عام آخر من مأساتنا المعيشية التي لم تلقَ منذ سنوات طويلة أي اهتمام أو معالجة من قبل الحكومات المتتالية، بل كثرت أوجاعنا أضعافاً مضاعفة بجهود حكوماتنا التي توالت لسنين، أزمات كبيرة أطاحت بالوضع المعيشي إلى أسوأ من الطمي بالوحل. مضى عام وأعوام ولم نسمع سوى تصريحات بلا أهداف وتخطيط، تصريحات أشبه بإبر (الديكلون) التي تسكّن الألم لبضع ساعات ويعود بعدها بقوة أكبر.

مضى عام 2018 وقد تألق بكثرة التصريحات والوعود بالمعالجة وتغيير الأداء ومحاسبة الفاسدين وغيره الكثير، إضافة إلى التناقض في القوانين الصادرة، ختمت السنة تقويمها بأسوأ حال معيشي، ودخل العام الجديد مكملاً أزماتنا المعيشية بقوة وتفاقم أكبر، من غاز وكهرباء ومياه واتصالات وخدمات وأسعار مرتفعة وسوق سوداء نشيطة، وحكومتنا غير آبهة بأن هناك شعباً له حقوق في وطنه الذي بقي وضحى من أجله، شعب له حقوق وفق دستور وقوانين صريحة وواضحة، فما هم الحكومة العزيزة سوى الحفاظ على لمعان كراسيها الفاخرة وسياراتها الفارهة، ولا هم لأعضاء البرلمان الشعبي فهم مرفهون أيضاً ولا يشعرون بالبرد ولا بقساوة جليد كانون ولا بكفر الجوع، ولا ينتظرون لساعات وأيام من أجل أن يباركهم الإله غازيوس بجرة غاز.

 

أزمات معيشية قاتلة

يعاني المواطنون السوريون منذ عدة سنوات من سوء الخدمات المعيشة الأساسية التي لم تلقَ أي معالجة من قبل المؤسسات الحكومية، مع أن هذه الأزمات لم تحدث بهذه القوة في أعوام الحرب الأكثر صعوبة وقساوة، وهي تتفاقم اليوم بشدة بعد انتهاء الحرب، وهذا ما يجعل المواطن يتساءل لماذا اليوم أزمة الغاز؟ وأزمة الكهرباء؟ والمازوت؟ وغيرها، فالغاز غير متوفر ويكاد يعجز المواطن اليوم للحصول على جرة غاز، وتنشر صفحات التواصل الاجتماعي بشكل يومي صوراً لواقع أزمة الغاز وطوابير الناس ينتظرون لساعات طويلة وفي النهاية لا يحصل إلا بعضهم على جرة غاز، وما الوعود الحكومية بالحلول وتوفير مادة الغاز للمواطن سوى كلام براق أثار استهزاء المواطن أكثر عبر الفيس بوك وغيره، مع العلم بأن الغاز متوفر في السوق السوداء ويتراوح سعر الجرة بين 7000 ليرة و15 ألف ليرة سورية، وهنا نتساءل هل سادكوب والتموين شركاء في عملية التجارة بمادة الغاز؟؟

كما عادت الكهرباء مرة أخرى إلى وضع التقنين المجحف بعد أن شهد القطاع الكهربائي خلال النصف الثاني من 2018 تحسناً واضحاً، وقد سمعنا تصريحات كثيرة لوزارة الكهرباء خلال الشهور الماضية بأن وضع الكهرباء جيد وهذا الشتاء سوف تقل ساعات التقنين، وفوجئ المواطن بعودة ساعات التقنين إلى أكثر من النصف في بعض المناطق، فقد وصلت ساعات الانقطاع إلى 4 ساعات مقابل 2 ساعتين تغذية في بعض المناطق، كما تشهد بعض المناطق عدم عدالة في التقنين كما حدث في اللاذقية مع بداية العام الجديد، ففي بعض الخطوط التغذية شبه مستمرة عليها، وفي بعضها الآخر يكون القطع لساعات طويلة، كما الوضع في دمشق العاصمة، فحواري العاصمة دمشق تنعم بالكهرباء 24 ساعة دون انقطاع، أما بعض مناطق ريف دمشق فلا تأتيها الكهرباء سوى ساعات قليلة مثل ضاحية الأسد والمزة 86 وجرمانا ..الخ. وهنا نتساءل: هل أزمة الكهرباء مفتعلة من قبل الحكومة؟ أم منظومتنا الكهربائية في أسوأ حالاتها؟ وإن كانت في أسوأ حالاتها فماذا تفعل الوزارة بكوادرها منذ سنوات؟ وأين المحولات التي استوردتها وضج بها الإعلام خلال السنة الماضية؟؟ وما مصير العقود التي وقعتها مع بعض الدول الشرقية لصيانة المنظومة الكهربائية وتحسينها؟؟ وماذا عن مشروع إنشاء محطة توليد في اللاذقية؟؟

إن عدم التوافق بين الوزارات وضعف التنسيق فيما بينها لسنوات، هو السبب الرئيسي اليوم لأزماتنا المعيشية، فليس هناك خطة عمل واضحة حتى اليوم رغم توجيهات السيد رئيس الجمهورية بذلك، مرت سنة 2018 ولم نر أي تغير حصل بالأداء المؤسساتي، ولم نلمس أي إصلاح إداري قد حصل، بل ما لمسناه هو العكس والتراجع في الأداء وعدم المسؤولية بتطبيق القوانين وتحسين معيشة الشعب، لم نر ولم نسمع بأي محاسبة لفاسد قد نشرت ملفات فساده بكل وضوح. ما رأيناه هو ترقية الفاسدين لمناصب أكبر وتكريمهم، وما لمسناه إغلاق ملفات كبيرة ومنع التحقيق فيها كملف الشهادات غير النظامية الذي يطول شخصيات ومسؤولين كثراً، وكذلك ملف الدعارة الذي تم إغلاقه مؤخراً لأنه يمس شخصيات تبيعنا الوطنيات لسنوات طويلة، وأهم ما لمسناه ورأيناه الفقر المدقع وتدني المستوى المعيشي للشعب من أجل أن يبقى التاجر سيداً على السوق، ومن أجل أن يبني البعض ثرواته.

إن كان لا يوجد خطط لدى حكومتنا الكريمة تعالج بها المستوى الخدمي والمعيشي للشعب فلماذا نرى دعواتها المستمرة لتشجيع المغتربين على العودة، والمواطنون في بلدهم يتألمون من عدم توفر أبسط متطلبات المعيشة؟ وفِّروا في البداية ابسط متطلباتنا من غاز وكهرباء ومواد أساسية وبعدها توجهوا بدعواتكم الكريمة لعودة من يريد العودة، فالمغترب الذي يعيش برفاهية وضمانة لحقوقه لن يعود لينتظر تحت المطر والثلج كي يحصل على جرة غاز، ولن ينتظر متى تأتي الكهرباء ليقضي عمله، ثمان سنوات ولم نر أي تحسن في الأداء الحكومي، بل نرى تراجعاً كبيراً ورقماً قياسياً لمعدل الفساد، إلا إن كانت حكومتنا ترى موت الشعب جوعاً وبرداً انتصاراً تسجله في بنود اجتماعاتها!

الشعب السوري صنع المستحيل خلال سنوات، وقدم أغلى ما يملك ولم يطلب سوى القليل من حقوقه، ولكن حتى هذا القليل مهدور في سجلات الحكومة.

صلاتنا لعام 2019 أن نرى تغييراً في أداء مؤسساتنا، أن نرى حكومة تعمل لأجل الشعب، أن نلمس حلولاً لواقعنا المزري، وإصلاحاً لأخطاء الماضي.

العدد 1104 - 24/4/2024