أمنية في أول الفجر وآخر العام

ريم الحسين:

بدا جليّاً أنّ الحرب في أواخرها، وأنّ كل ما تبقّى سياسات واتفاقيات وربما معارك محدودة هنا وهناك، ولو أخذت وقتاً، لكنّها بفضل صنّاع التحرير ستعود حتّى آخر شبر طاهرة مطّهرة من الإرهاب.

عودة التمثيل الدبلوماسيّ لبعض الدّول، والأخبار عن عودة الغالبية، نأمل أن تكون بادرة خير وانفتاح، وعودة التمثيل الدبلوماسيّ للدّول يعني عودة سورية إلى دورها الدّولي الفاعل كدولة ذات سيادة واستقرار، وهو مؤشّر إلى بداية الإعمار والتعافي، وهذا ما يتطّلبه منطق الدّولة الخروج من عزلتها، بالرّغم من صمودها وتجاوزها لهذه العزلة، لكنها خطوة مهمة لإعادة بناء ما دمّرته الحرب والبدء من جديد.

وبعيداً عن دور السّفارات دائماً في أي خطوة مشابهة، فإن المهمّ هو النّصر الدّاخلي الّذي حقّقه تضافر جهود الجيش مع القيادة والشّعب أن يكون نصراً مكتملاً لا تشوبه أي منغصّات. ما يهمّ المواطن هو بوادر النّصر الدّاخلي وانعكاساته إيجاباً على معيشته، وأن يحصل أهالي الشّهداء والجرحى على حقوقهم، وأن تبدأ رحلة البحث والتفاوض على المخطوفين. ما يهمّه حقّاً أن لا يُذَل للحصول على رغيف الخبز، وألا يُهان في وسائل النقل، وأن لا يقف في طابور طويل عريض لساعات تستنزفه للحصول على جرة غاز، وشعوره الدائم بالغضب من الظلام الذي يعيشه نتيجة انقطاع الكهرباء بشكل لم يشهده أثناء أكثر سنوات الحرب دموية وعنفاً، وأن يكفيه راتبه لعيشة كريمة على أقلّ تقدير يضمن بها حاجياته كإنسان لآخر الشّهر، أن يجد منزلاً يأويه بكرامة مع أسرته، وما إلى ذلك من حاجات الإنسان الأساسيّة للشعور على الأقلّ بالانتماء، الّذي بدا واضحاً خلال سنوات الحرب رغم كلّ التقصير السّابق لكنّ هذا الشعور بدأ بالاضمحلال في بعض المواضع نتيجة الظّلم، وهي نتيجة طبيعية للحرب لكن أن لا تكون الحرب والبلد على عنق المواطن بعد الآن.

لِنُعِدْ ترتيب أغراض بيتنا الدّاخلي بالتوازي مع تحسّن وضعنا الخارجي.

هي البداية لأدنى متطلبات العيش الكريم التي ستؤدي حتماً بعد النهوض إلى مرحلة الرّفاهية، ليعيش المواطن في رضا واستقرار وتصبح سورية مضرب المثل كما ألمانيا واليابان!

نحن لا نقلّ شأناً، لكنّنا نحتاج إلى العزيمة والإصرار والعدل والمساواة وتجميع القوى الفاعلة في بوتقة واحدة كخلية عمل ما همّها المناصب والمحسوبيات وسرقة المال العام، وإنما الوطن والوطنية بعيداً عن تجّار الحرب والأزمات. اليوم نحن بأمسّ الحاجة إلى وزارتين: وزارة مكافحة الفساد، ووزارة إعادة الإعمار، للنهوض بسورية الحديثة الخارجة من حرب لعينة، منتصرةً تنفض عن نفسها آثار الخراب والرّماد والبدء بالبنية التحتية ودعم الصّناعة والزراعة وليس فقط التجارة والخدمات، فالزراعة والصناعة أساس اقتصاد الدّولة وضمان تعافيه واستمراريته، وما يعود على المواطن من انفراج في هيكلية حياته اليومية ليساهم في البناء. فاللّبنة الأساسية هي الإنسان وولاؤه وقدرته على العمل بجد وفعالية وحب، لينعكس هذا الأداء على الإنتاج والتنمية الحقيقية.

ثلاثيّ النّصر على الإرهاب المتمثّل بالجيش والقيادة والشّعب مطالبون بتحقيق نصر داخليّ على كلّ مظاهر الفساد، مطالبون بتضافر الجهود لتحقيق سلام داخليّ كبير، سينعكس حتماً على السّلام الخارجي، وكعلاقة عكسيّة أن تكون لعودة العلاقات الدبلوماسيّة مع الدّول تأثيرها أيضاً على الوضع الدّاخلي.

نأمل في بداية العام الجديد أن يُترجم النّصر الّذي حقّقه أبطال الجبهات عليهم أولاً وعلى المواطن الفقير ثانياً، أن يكون الفجر الموعود بسورية الجديدة سورية الأمن والأمان، سورية القوية التي أثبتت للعالم أجمع أنها تخطّت حرباً عظيمة كان مخطّطاً لها أن تنهي الحجر والإنسان، سورية الشوارع المليئة بفرح الأعياد، سورية تتزيّن في كل الأيام بشجرة تحوي ذكرى الشّهداء الّذين لولاهم ما كان للزينة مكان.

هذا هو النّصر الحقيقيّ، كلٌّ في مكانه يؤدي دوره المنشود، وأن يحيا في وطن يردّ له التّضحيات في المقام الأول، وأن يعطيه حقّه في هذا الدّور أي اكتمال الحقوق والواجبات.

إلى فجرنا نمضي فلا تلوّثوه بالفساد!

سورية تستحقّ النّور وشعبها أيضاً يستحقّ هذا الشّعاع!

المجدُ للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1102 - 03/4/2024