الرفيق محمد العمر.. وداعاً!
أحمد العمر:
يستقبلك بابتسامته العريضة! تلك الابتسامة التي ما خبت يوماً رغم المآسي والمحن التي مر بها ومرت بها قريته برلهين، توقف قلب الفارس الرفيق محمد العمر أبو عماد عن الخفقان عن عمر يناهز 72 عاماً في هدوء كهدوئه المعهود صباح يوم 10/1/ 2018 وغيب الموت قامة وطنية وحزبية شامخة، أجل رحل المربي والمعلم والأستاذ والرفيق الشيوعي الأول في منطقته، رحل بعد أن ترك إرثاً وطنياً وثقافياً واجتماعياً سيظل نبراساً لكل أهله ورفاقه وأبناء قريته.
ولد الرفيق أبو عماد عام 1946 في قرية برلهين التابعة لمنطقة الباب في عائلة فلاحية بسيطة كانت تؤمن رغم كل الظروف القاسية بالعلم كوسيلة وحيدة للخلاص من ظلم الظروف التي كانت تحيط بالبيئة الفلاحية في ذلك الوقت، فعلمت أبناءها قدر استطاعتها، فالتحق أبو عماد بمدرسة (مران) التي كان فيها أقرب مدرسة ابتدائية لقريته برلهين، ومنها انتقل إلى حلب ليكمل تعليمه فتخرج في معهد إعداد المعلمين عام 1963 وبدأ مسيرته كمعلم يتنقل بين القرى المجاورة على أقدامه أحياناً وعلى الدراجة حينا آخر، إلى أن التحق بخدمة العلم عام 1970 هو وزميله ورفيق دربه المرحوم الأستاذ الفاضل محمد إسماعيل، وهناك تعرَّفا على الحزب الشيوعي السوري والتحقا بصفوفه، وأثناء حرب تشرين التحريرية التحق بخدمة الاحتياط ونال شرف المشاركة في هذه الحرب.
كان دائماً واضح المواقف صحيح البوصلة يثق أغلب الناس برأيه ويعتبرونه مرجعاً، فعندما تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد قال إنها ستحدث شرخاً عميقاً في العلاقات العربية، وهذا ما حدث. وفي أثناء الأحداث التي عصفت بوطننا في الثمانينات وكان قد استبعد من التعليم إلى مديرية الصناعة في حلب لأنه شيوعي، كان موقفه واضحاً من عصابة الإخوان المسلمين وقام بتعريتهم أمام المجتمع المحلي، وبعد فترة ليست بالقصيرة أعادوه للتعليم بقرار وزاري. وعندما بدأ مشروع إنارة الريف، كان هو المساهم الفعال والنشط بين أهل قريته لإحضار الكهرباء للقرية، وقد بقيت ورشة العمل تنام في بيته أكثر من ثلاثة أشهر في فصل الشتاء رغم أن بيته كان مؤلفاً من غرفتين فقط. وعندما بدأت الأحداث الدامية في سورية بداية 2011 ظلت بوصلته الوطنية صحيحة بامتياز وانتقد بشدة أولئك الذين يدّعون أنهم ثوار، وحاججهم عندما قالوا له بأنك أنت الذي كنت تنقد الفساد وتتكلم عن الإصلاح! فأجابهم بأن هذه ليست ثورة، وكل ما يمس أمن الوطن وكرامته نحن ضده، وهذه مؤامرة على الوطن والمواطن.
تدهورت صحته بعد دخول داعش إلى القرية وقاموا باعتقاله مع جمع من القرية وساقوهم إلى مدينة الباب حيث قاموا بتعذيبه وأثر ذلك على حالته الصحية التي بدأت بالتدهور من حينها.
أبو عماد والد لأحد عشر ولداً، سبعة أبناء وأربع بنات، أغلبهم في صفوف الحزب.
ستبقى ذكراك يا أبي في نفوسنا قيماً خلاقة تشع خيراً وحياة!
لن ننساك فالسنديان لا يموت!