من يحتفل؟ من يشعل الحروب؟!

توافد زعماء العالم إلى باريس يوم الأحد 11/11/2018 للاحتفال بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، هذه الحرب المدمرة التي نشبت عام 1914 بين ضواري الرأسمالية الاحتكارية العالمية لاقتسام العالم، وانتهت عام 1918، وأدت إلى سقوط أكثر 18 مليون إنسان ضحية لجشع الدول الاستعمارية الكبرى، التي أعادت بعد الحرب ووفق نتائجها رسم خرائط جيوسياسية للمناطق المحورية والدول التابعة.

شهوة الانتصار وإغراء الأسواق الناشئة، دفعتا الدول الرأسمالية الكبرى إلى إعادة الكرّة من جديد، وأشعلوا نيران الحرب العالمية الثانية، في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، التي كانت حصيلتها أكثر فتكاً ودماراً، إذ أدت إلى تدمير أوربا، وسقوط أكثر من 50 مليون إنسان.

وهكذا قُدِّر للبشرية أن تدفع الأثمان الباهظة لأطماع الدول الاستعمارية الكبرى، وهي مازالت تدفع حتى يومنا هذا، بسبب نزعة الهيمنة والسيطرة لدى ورثة الاستعمار القديم وإن تغيرت الأساليب، وتعددت المبررات.

ورثة الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى المحتفلون في باريس بانتهاء المجزرة العالمية الأولى، وعودة أجواء السلام إلى العالم آنذاك، مسؤولون اليوم عن الأخطار التي تهدد السلم العالمي، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وسيطرة القطب الأمريكي، وتبعية الدول الأوربية الكاملة للسياسة الأمريكية.

وقد كانت سورية ومنطقة الشرق الاوسط منذ خمسينيات القرن الماضي مسرحاً لمخططاتهم بإعادة تشكيل المشهد، بما يحقق مصالح الامبريالية العالمية والصهيونية، وكان غزو العراق في مطلع القرن الجديد بداية التنفيذ الفعلي لهذه المخططات.

من يرفع كؤوس السلم في باريس اليوم من ورثة الدول الاستعمارية كانوا وراء الغزو الإرهابي الذي تعرضت لها بلادنا، ودعموا المجموعات الإرهابية التي ضمت أشرس الفئات المأجورة المتسترة بستار الدين، فأوغلوا في القتل والتخريب، طيلة ثماني سنوات دفع فيها شعبنا الثمن الأغلى.

لقد وقف شعبنا صامداً خلف جيشه الوطني في مواجهة الغزو الإرهابي، وأمكن استعادة أكثر من 95% من الأرض السورية وتخليصها من سطوة الإرهاب، لكن بعض كبار المحتفلين في باريس اليوم، مازالوا يعرقلون أي تسوية سلمية للمسألة السورية، ويأملون باستمرار الأعمال العسكرية، ليستمروا في استنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية لبلادنا.

إن أي جهد سلمي لحل المسألة السورية يصطدم بالسياسة العدوانية لتركيا أردوغان واحتلالها لعفرين، وتوغلها في المنطقة الشرقية، وبالوجود العسكري الأمريكي، غير الشرعي، والداعم للمجموعات المسلحة.

إن عالماً متعدد الأقطاب.. والخلاص من مهووسي الحروب والنزعات الاستعمارية يضمنان للبشرية أجواء السلم والأمن، وبانتظار ذلك، سيبقى شبح الحروب يجول في سماء كوكبنا.

العدد 1102 - 03/4/2024