ليباهي أولادكم بكم!

ريم الحسين:

في كل يوم يستوقفني مشهد جيراننا الكُثر المهجّرين من عدة مناطق وخصوصاً الشمال، عشرة أطفال لكل عائلة،أقدامهم عارية يغلفها التراب والسواد، وثيابهم تشبه كل شيء إلاالثياب، ممزقة مهترئة لاتقي من البرد،والشتاء قادم،والأهم من ذلك أن الأم حامل!

هل حقا سيباهي بكم الرسول الأمم يوم القيامة، أم سيخجل بكم!

ثم ماذا عن مباهاة أولادكم بكم؟

هل يدري هؤلاء أن أطفالهم يحقدون عليهم مستقبلاً!

إن كنت في غير مدينتك تسكن في قبو سكني من عدة أمتار لا تدخله الشمس،فهل ترى أن الإكثار من نسلك فخر؟وهل هذا كل ماتستطيع فعله في الحياة؟! هل هذا نسل للفخر أمللإجرام؟

الأطفال في شوارع دمشق مشاريع تسول وبسطات أشياء لاتُشترى، تراهم بأعداد ليست بالقليلة في أوضاع يدمى لها الحجر قبل البشر، وفي معظم الأحيان الأهل هم مشغلوهم والمستفيدون من عمالتهم وارتزاقهم!

جنة الأطفال مدارسهم ومنازلهم وليس الشوارع والتوسل والبكاء والجحيم، جنة الأطفال أحضان أمهاتهم وآبائهم، فهم من اختاروا لهم القدوم إلى الحياة.

ربما يوماً ما سيكون هناك قانون يحمي الأطفال،وترفع دعوى على الأهل بتهمة إنجابهمإلى هذا العالم للتشرد والتسول والمعاناة!!

تستنزفني دموع عائلات تتمنى أن تحظى بطفلٍ لتأتي له بالسماء، ويمزقني هؤلاء الجهلة الذين يكثرون من الإنجاب بدل الاكتفاء بعددٍ محدودٍ يقدمون لهم ولو أدنى متطلبات الحياة.

قوانين بلادنا بالية في كل الملفات، تحتاج ولو قليلاً من رأب الصدع الحاصل في المجتمع وخصوصاً ما أفرزته الحرب من ظلمٍ قديمٍ متجدد فيما يتعلق بالأطفال والنساء،قوانين منذ الاحتلال وقوانين تعتمد على الشريعة،متى تكون قوانيننا حصراًللإنسان لحقوق الإنسان؟ إن كان لا رادع أخلاقي أو إنساني لأمثال هؤلاء في التفنن بتعذيب أطفالهم فربما القوانين تفعل.

واللافت أن سورية من الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 وما تلاها، إضافة إلى بعض القوانين المبعثرة غير المنظمة وغير المطبقة أساساً إلا فيما ندر والتي تصطدم أساساً بالمفاهيم والايديولوجيا الاجتماعية السائدة، قوانين جيدة في مضمونها لكنها تعاني العقم وغير كافية وغير محددة، ولاتحتوي بشكل صريح على نقاط أساسية وهامة تضع حدوداً للتسلط الأبوي.

نحتاج إلى قوانين لبناء المجتمع السليم والعائلة السليمة حتى لاتتكرر الحروب أولاً، وحتى نبلسم جراحها ثانياً،قوانين تعطي للطفل الحق في الحياة والنمو ضمن عائلة متماسكة ومتضامنة، وفي التمتع بمختلف التدابير الوقائية وحمايته من كل أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال والتقصير أو غير ذلك من أشكال الاستغلال وإساءة المعاملة.وهنا يبرز دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من خلال توعية الأسرة سواء عن طريق ورشات عمل أو الإعلانات أو الزيارات الميدانية والأهم حماية الأطفال وتأمين الملاذ الآمن لهم،إضافة إلى دور رجال الدين المتنورين، كي يساهموا في حماية حقوق الطفل بشتى الوسائل، وكل ما ذُكر يجب أن يدعمه الإعلام ودوره في المتابعة وتغطية أحداث العنف التي يتعرض لها الأطفال،ونقل قرارات ونشاطات الوزارة من ندوات وبرامج وتقارير،لعلّنا نرتقي بالوطن إلىأقصى درجات الوطنية والانتماء والإنسانية والأخلاق، ومحاربة الجهل والتخلف والعادات البالية، وطن يقدم لأبنائه ما يستحقون سيلقى منهم ما يستحق .

يقول جبران خليل جبران:

(أولادكم ليسوا لكم،أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم،ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم،أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم، وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم،ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم،فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم،وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم،

ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم،لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس،أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم)*.

العدد 1102 - 03/4/2024