من ثورة أكتوبر إلى تأسيس حزب المضطهدين
إيمان أحمد ونوس:
لا شكّ أن ثورة أكتوبر في روسيا مطلع القرن الماضي قد تركت صداها الواسع والعميق في أرجاء بقاع الأرض كافة، ذلك أنها قامت للقضاء على الظلم والفقر والاضطهاد والتمييز، وإقامة دولة العدالة الاجتماعية التي تساوي بين مواطنيها كافة في الحقوق والواجبات بعيداً عن المنبت الطبقي ومقدار الثروة والجاه والسطوة أو التسلّط، ثورة شغلت العالم أجمع على مدى سبعين عاماً من خلال ما عُرف بالاتحاد السوفيتي الذي أصبح قوّةً عظمى تُنافس الرأسماليات كافة، وخاصة الولايات المتحدة في التقدّم والتكنولوجيا والعسكرة والفضاء، وأيضاً في تحالفها مع قوى السلام في العالم، من أجل النهوض بحركة التحرر الوطني التي بدأت بشائرها تظهر بداية القرن الماضي وسقوط الامبراطورية العثمانية التي عملت على تجهيل الشعوب وإفقارها، وما رافق هذا السقوط من تقسيم تَرِكَتِها ما بين أعتى الرأسماليات حينذاك (فرنسا، بريطانيا، وإيطاليا)، فكان عالمنا العربي من شرقه إلى غربه موّزعاً بينهم بكل ما يعنيه الاحتلال والاغتصاب، حين وافقت عصبة الأمم المتحدة أيضاً على إقامة دولة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط تسهيلاً لمآرب وأطماع تلك الدول بخيرات المنطقة.
في هذه الأجواء، وبعد سنوات سبع على قيام ثورة أكتوبر، انبثق الحزب الشيوعي السوري-اللبناني بتأثّر واضح بمبادئ تلك الثورة، وانطلاقاً ممّا كانت تُعانيه المنطقة من احتلالات عسكرية، وسيطرة إقطاعية فظّة عملت بتحالفها مع الاحتلال على خنق الشعوب واضطهادها وإفقارها وتجويعها، وبالتالي قمع كل الأصوات المنادية للتحرر من الاحتلال وسيادة العدالة الاجتماعية.
بالتأكيد، إن الحزب الشيوعي السوري كان مناصراً للفقراء والمهمّشين والمظلومين في المجتمع، مثلما كان ممثّلاً حقيقياً لمصالح تلك الفئات، مُطالباً بالمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس عامة، وبين الجنسين (المرأة والرجل) خاصة، ولهذا لاقى أعضاؤه وغالبية المنتسبين إليه أشنع أنواع التعذيب خلال حملات الاعتقال المستمرة طوال مسيرته الفاعلة.
لكن، وكما كانت ثورة أكتوبر مثلاً احتذى به كل المنادون بالحرية والسلام والمساواة، كذلك كان لانهيار تلك التجربة آثارها الكارثية على عموم شعوب الأرض وأحزابها اليسارية التي تلقّت الصدمة بكثير من التشتّت والضياع والابتعاد عن البوصلة الرئيسية تماشياً مع أفكار الليبرالية الجديدة التي وجّهت مختلف أنواع السهام للاشتراكية والشيوعية القائمة، فباتت تلك الأحزاب في صراع ما بين ماضيها والحاضر، ممّا أبعدها عن أهدافها وجماهيرها التي كانت تعقد الآمال عليها في الوصول إلى العدالة المنشودة.
واليوم، وبمناسبة حلول ذكرى أكتوبر ومرور أيام على ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي السوري، نجد أنفسنا أمام استحقاق كبير وواجب، بأن يعود الحزب لأبنائه الكادحين ولعموم الفقراء والمهمّشين الذين اغتالت الرأسمالية المحلية والعالمية كل آمالهم وطموحاتهم، ليكون صوتهم الحقيقي والمؤثّر والفاعل على ساحة بناء سورية الحديثة.