د. عاطف البطرس:
كثر الحديث على شبكات التواصل الاجتماعي حول أخطاء معرفية ارتكبتها إحدى مقدمات البرامج على شاشتنا الوطنية.
بغضّ النظر عن حجم الخطأ من حيث الخطورة والأهمية، يبقى تصحيحه في متناول اليد، والذين يدركون الصواب أكثر من الذين لا يعنيهم الموضوع أصلاً.
يفترض بمقدّم »أو مقدمة برنامج« ألا ترتكب مثل هذه الهفوات، وعليها أن تراجع ما تقدمه، فإن كانت جاهلة به، فلا يضيرها أن تعود إلى من هم أكثر معرفة منها، للتأكد من صوابية المعلومة، أو من لفظ اسم لعلم أو لمكان، أو لواقعة تاريخية لا يجوز الخطأ فيها.
ما من أحد يملك معرفة كاملة، لا سيما أن تنوع المعارف وتعدد الاختصاصات من الصعب إحصاؤها، لكن مع هذا التعدد والتنوع ثمة مسلمات لا يسمح فيها بالخطأ.
كأن لا يعرف مقدم برنامج ثقافي اسم المتنبي فيقول أبو الطيب، أو أبو علي عن المعري، فهذه معلومات طلاب المرحلة الإعدادية.
المشكلة الأكبر هي في الإعداد الثقافي، أو في المؤهلات الثقافية للعاملين في حقل الإعلام الثقافي، وكيفية اختيارهم، وسبر معلوماتهم والجهد الذي يبذلونه تحضيراً وإعداداً لبرامجهم، علاوة على ذخيرتهم المعرفية.
لكن، أليس ثمة أخطاء أكبر من ذلك ترتكب على شاشاتنا، مثلاً ما يقوم به بعض المحللين السياسيين والباحثين الاستراتيجيين والتربويين والأدباء والمفكرين الذين يظهرون على فضائياتنا؟!
فكثير من التحليلات المقدمة لا تستند إلى مرجعيات موثقة، وتتعمد خلط المعلومات، مما يشوش المشاهد أكثر مما يقدم له معرفة، ففي كثير من المقابلات تناقضات عدم انسجام بين المقدمات والنتائج، هذا إذا تجاوزنا المهل والمدد الزمنية التي يحددها هذا المحلل أو ذلك الاستراتيجي للانتهاء من الموضوع المتناول.
أليست أخطاء هؤلاء أبشع من خطأ مقدمة برنامج ثقافي لا تعرف أبا العلاء المعري؟ من يحاسب من، إذا كان المسؤول لا يتابع، ولا يستمع إلى من رشحهم وأوكل إليهم مهمات الظهور على الشاشة؟ وكيف يسمح لمن ليس لديه الخبرة والتجربة والمعرفة بالتصدي لعمل ثقافي؟
أين الكوادر المجربة والمختبرة، صاحبة الباع الإعلامي العريق؟ ولماذا لا تسند إليهم مهام تدريب الكوادر الجديدة وتأهيلها؟
لنقل قد شاخ الكبار ويجب أن نقدم وجوهاً جديدة، وهذا حق وواجب، وشرط إعلامي للنجاح.. إلا أن الوجوه الجديدة عليها أن تكون جديدة شكلاً ومضموناً وإقناعاً، وليس استعراضاً وبهرجة، فكل ذلك زبد سرعان ما يذهب أدراج الرياح، بينما المادة الثقافية هي التي تبقى في أذهان المتلقين.
ولعل أخطر القضايا في الإعلام هي الاستخفاف بقدرات المتلقي وثقافته، واعتباره أرضاً بكراً، نزرع فيها ما شئنا من بذار. المتلقي الذي يتابع برنامجاً ثقافياً يمتلك قدراً من المعرفة تؤهله لمتابعته وإلا أعرض عنه وبحث عن غيره.
لابد لمعد البرنامج ومقدمه أن يوحي للمتلقين بالثقة بالمعلومات المقدمة، ويخلق لديهم شعوراً بالطمأنينة لتكتمل عملية التلقي، وإلا ما فائدة برنامج لا يشاهده أحد أو لا يحترمه الناس؟ أليس في ذلك استهلاك للمال والجهد وإضاعة لوقت المشاهدين؟
مما تقدم نخلص إلى النتائج التالية:
1- وضع معايير واضحة ومحددة لاختيار الكوادر، وعدم الاعتماد على الشكل فقط.
2- الإعداد الجيد والكافي لمعدّي البرامج ومقدِّميها، بما يتناسب مع المنسوب المعرفي للمشاهدين.
3- اعتبار الكفاءة قيمة معيارية لا يجوز ولا يحق لأحد تجاوزها.
4- مراعاة الاختصاص في تقديم البرامج، وبشكل خاص السياسي والفكري والثقافي، لما له من تأثير وفاعلية في صناعة المتلقي وتكوين ذائقته وآرائه.
5- توخي الجودة والابتعاد ما أمكن عن الاستسهال في الإعداد وفي التقديم.
الإعلام سلاح شديد الفاعلية والخطورة في المواجهة الكبرى والشاملة التي ينبغي أن نشارك فيها جميعاً من موقع المسؤولية الوطنية.