مجلس الأمن الدولي… جلسة فاشلة ومحاولة التشويش على قمة طهران
أظهرت الجلسة الوزارية لمجلس الأمن الدولي »ليلة 30 آب« التي دعت إليها فرنسا بوصفها الرئيس الدوري الشهري للمجلس، حقيقة مواقف أعضائه، وكيفية تعاطيهم مع المقترح الفرنسي. إذ تباينت مرة أخرى مواقف أعضاء المجلس حول الأزمة السورية وآليات حلها، وكشفت زيف المواقف الغربية وإمكانات الدول التي تتعاطى بإيجابية وتوازن تجاهها.
فقد دعت فرنسا، الرئيس الشهري للمجلس، إلى جلسة وزارية »تصنف عادة بالطارئة أو الهامة جداً« للدول الأعضاء في المجلس لمناقشة الأزمة السورية وسبل حلها، إذ تدرك فرنسا قبل غيرها ومعها حلفاؤها أيضاً، تكرار فشل إمكان تمرير قرار غير متوازن في التعاطي مع الأزمة السورية.. والغريب أنها أنهت رئاستها الشهرية بدعوة غير موفقة، وبفشل جديد يضاف إلى مشاريع القرارات الغربية الفاشلة.
وزيادة في الإحراج للرئاسة الفرنسية للمجلس، وبحضور وزير خارجيتها لوران فابيوس، قاطع الاجتماع وزراء خارجية سورية- الدولة المعنية، وروسيا والصين، وعدد آخر من وزراء الخارجية، وهذا ما كانت تتوقعه فرنساً أصلاً، إضافة إلى الغياب المفاجئ لوزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية هيلاري كلينتون، راعية التوجهات الغربية.
والأغرب في هذه الدعوة، التي تذكرنا بدعوة وزراء خارجية المجلس قبل غزو العراق، مع اختلاف الظروف وموازين القوى، والعديد من الأسباب الأخرى، أن المؤتمر الصحفي لوزيرَيْ خارجية فرنسا فابيوس، وبريطانيا وليام هيغ قبيل الجلسة، قد أشارا إلى تعقيدات وصعوبة إقامة »مناطق عازلة« شمال سورية، أو فرض »ممرات آمنة« أو منطقة »حظر جوي« محدودة.. أي أن أصحاب الدعوة يدركون سلفاً فشل مشروع قرارهم، ولذلك تغيّب بعضهم.
أما سبب الإصرار على هذه الدعوة الفاشلة، فيعود في قسم منه إلى محاولة فرنسا إنهاء رئاستها بمشروع قرار ولو فشل، لاعتبارات دولية من جهة، ولطبيعة علاقاتها مع قوى المعارضة السورية المرتبطة من جهة ثانية، إضافة إلى محاولة اختبار الموقفين الروسي والصيني مرة أخرى، وللتشويش على البيان الختامي لمؤتمر دول حركة عدم الانحياز، الذي أنهى أعماله بعيد جلسة المجلس بـ24 ساعة فقط.
وخلافاً للجلسات السابقة، فقد رفع الاتجاه المتوازن في المجلس من وتيرة انتقاداته للدعوة الفرنسية -»الغربية« عموماً.. إذ أكد د. بشار الجعفري، ممثل سورية الدائم في الأمم المتحدة، أن مساعدة الشعب السوري تكمن في معالجة أسباب الأزمة والمعاناة، وفي المقدمة الدعم الخارجي للمجموعات المسلحة.. في الوقت الذي أكد فيه فيتالي تشوركين، ممثل روسيا الاتحادية، أن العقوبات على سورية سبب معاناة السوريين، مطالباً برفعها فوراً.. كذلك ممثل الصين الشعبية لي باو دونغ، الذي أعلن مجدداً معارضة بلاده لأية حلول مفروضة على سورية من الخارج.
مشروع القرار الفرنسي- البريطاني – »الغربي« المنحاز والفاشل، أكد مرة أخرى إصرار الولايات المتحدة والدول »الغربية« على التدخل الخارجي، ودعم المجموعات الإرهابية وتسليحها، وفرض مزيد من العقوبات الأحادية على سورية، وتعطيل الحوار السياسي السوري الشامل، وحل الأزمة السورية على يد السوريين أنفسهم، وهذا ما تدعو إليه، للأسف، أطراف معارضة خارجية مرتبطة.
ورغم فشل مشروع القرار الجديد في جلسة 30 آب، بسبب من طبيعة تركيبة المجلس وأنظمة ولوائح عمله، فإن الجانب الآخر في التطورات الدولية وبالتزامن مع جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة، تمثل في نجاح قمة طهران لدول حركة عدم الانحياز، وما يعنيه ذلك إيرانياً وسورياً ودولياً. فحركة عدم الانحياز تضم 120 دولة، تمثل أكبر رابطة دولية في العالم، وثلثا دوله تتميز عن غيرها من الروابط والتكتلات، بسبب طبيعة أعضائها وتوجهاتهم الاقتصادية والسياسية.. إذ ينضوي في إطار الحركة دول ذات نهج اقتصادي مركزي موجه، إلى دول الاقتصاد المشترك، مروراً بدول اقتصاد السوق الحر، وتجليات هذا التركيب والتوجه سياسياً من دول الحزب الواحد، إلى دول الائتلافات الواسعة، فضلاً عن دول التوجه البرجوازي والليبرالي والملكي المطلق أيضاً، تشكل عامل غنى وتنوع.
وبسبب طبيعة تركيبتها وسياساتها وتوجهاتها العامة، فإن نقاط التوافق فيما بينها تعتمد إلى درجة كبيرة على طبيعة رئاستها »إيران راهناً« وهيئاتها وفعاليتها، إذ تتشكل هيئاتها القيادية من مؤتمرات القمة التي تعقد دورياً كل ثلاث سنوات، بوصفها الهيئة الأعلى، ومن اجتماعات وزراء خارجية الحركة التي تعقد اجتماعاتها سنوياً »في الحالة العادية ويمكن للحركة دعوة قادتها أو وزراء خارجيتها إلى اجتماعات وقمم طارئة أو استثنائية«، إضافة إلى مجلس التنسيق الذي يضم هيئتي وزراء الخارجية والممثلين الدائمين.
ونظراً لتزعم إيران الحركة لثلاث سنوات قادمة، فإن البيان الختامي قد مهد الطريق لتوجه جديد للحركة، جوهره محاولة العودة إلى الجذور، وإلى أسس ومنطلقات الحركة العشرة، وأبرز عناوينها تطبيق مواثيق الأمم المتحدة، والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، واحترام مبادئ السيادة الوطنية، ورفض التدخل الخارجي، وحل الإشكاليات المناطقية والدولية سياسياً، انسجاماً والأنظمة والقوانين الدولية.
وهذا ما أكده البيان الختامي لقمة طهران، الذي توافقت عليه الوفود بالإجماع، وأفرد حيزاً هاماً للبرنامج النووي الإيراني وسلميته، ومواصلة العمل على نزع الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وحق الدول في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، كذلك ضررة حل الأزمة السورية انسجاماً ومبادئ ومنطلقات الحركة »عدم التدخل الخارجي، احترام السيادة الوطنية، الحوار والحل السياسي«.
وما بين جلسة مجلس الأمن الدولي في 30 آب وفشل المشروع الفرنسي- البريطاني – »الغربي« عموماً، وبين نجاح مؤتمر طهران مؤشرات وطنية وإقليمية ودولية تتمثل في الانهاء الفعلي لسياسات الإملاءات والتفرد والأحادية، وفي العودة النشيطة لحركة عدم الانحياز، إلى لعب دورها ضمن قوى التوازن والتعددية القطبية.. وفي هذا مفارقة واضحة ومؤشر أكثر وضوحاً للأعوام القادمة.. بانتظار تسلم فنزويلا بتوجهها الوطني والأممي زعامة الحركة، على خطا العودة إلى الجذور، وقيام الحركة بدورها العالمي المطلوب.
وقد فرضت هذه العودة الاختلالات في العلاقات الدولية، والأخطار المحدقة بالدول النامية والمفقرة، ومصالح الشعوب المهددة بالاستتباع والتفتيت والنهب.