اتفاق أديس أبابا… الانتقال من الاقتتال إلى الحوار والتهدئة

ينظر إلى اتفاق أديس أبابا الموقع بين دولتَيْ السودان وجنوب السودان، بوصفه مرحلة جديدة بين البلدين، ومن شأنه أن يحل العديد من القضايا المشتركة العالقة. كذلك انعكاساته على السودان وجواره، والانتقال تالياً من وضعية التقاتل والاحتراب إلى وضعية الحوار والسلم والتعاون.

فالاتفاق الذي تأجل توقيعه مرات عديدة، بسبب طبيعة بنوده وعناصره المختلف عليها بين الجانبين، وبسبب تداخله مع دول الجوار السوداني، قد تُوصّل إليه في قمة أديس أبابا.

إذ عانت الدولتان »السودان وجنوب السودان« تبعات عدم التوصل إلى اتفاق أمنياً واقتصادياً، وبخاصة قضايا النفط وكيفية تقاسمه، وكذلك طرق تصديره، والرسوم الجمركية المفترض التوافق عليها، فضلاً عن ترسيم الحدود بين البلدين.

وإذا كان اتفاق أديس أبابا قد شكل »لحظة تاريخية لبناء السلام، ومواصلة الجهود لإيجاد حلول للمسائل الأخرى المختلف حولها«، وفق ما أعلنه الرئيس السوداني عمر البشير، فإن سيلفا كير ميارديت أكد أن »المحادثات كانت صعبة، ولم تتمكن الخرطوم وجوبا من الوصول إلى اتفاق حول مستقبل العديد من المناطق المتنازع عليها.. والتوصل إلى تفاهم دائم بينهما من شأنه أن ينهي النزاع الطويل بين الطرفين«. في الوقت الذي أعلن فيه وزيرا دفاع البلدين، السوداني عبد إبراهيم محمد حسين، والجنوبي جون كونغ نيون ضرورة التوصل إلى »إقامة منطقة منزوعة السلاح على الحدود الهشّة بين البلدين، واستئناف ضخ النفط عبر الموانئ السودانية على البحر الأحمر والبالغة 350 ألف برميل يومياً.

ولم تتمكن حكومتا البلدين من التفاهم على مسائل حساسة، في مقدمتها قضية أبيي النفطية الهامة، وخمس مناطق حدودية بين الجانبين. ورغم أهمية المناطق الحدودية المتنازع عليها، أو عدم التوصل إلى حل بشأنها، فإن الاتفاق الأخير يمثل انتقالاً هاماً من حالة الحرب والاقتتال، إلى الحوار والتهدئة، وانعكاساته إيجابية على الطرفين اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وكذلك تبعاته المستقبلية على السودان وجواره أيضاً.

كما ينظر في هذا السياق إلى أهمية الدور الإثيوبي، الذي ساعد في التوصل إلى هذا الاتفاق وأهميته »تمثل إثيوبيا إحدى الدول الهامة المحاذية للسودان«. كذلك دورها العسكري – الأمني في الصومال، ومشاركتها الفعالة في قوات الاتحاد الإفريقي العاملة هناك، وإلى مشاركتها الفعالة في القوات الإفريقية لصالح تجنيب منطقة باب المندب، قدر الإمكان، عمليات القرصنة البحرية، والتعدي على خطوط الملاحة البحرية في هذه المنطقة الهامة استراتيجياً ودولياً.

وإن هذا الدور الإثيوبي الفاعل، يأتي بعيد الانتقال السلس للسلطة، إثر وفاة الزعيم الإثيوبي ميلس زيناوي، خلافاً لما عانته الكثير من الدول النامية بعيد فقدان زعمائها، أو رموزها القيادية الهامة من حالات الاقتتال والاحتراب.

ولذلك ينظر باهتمام إلى الدور الإثيوبي في التوصل إلى اتفاق أديس أبابا بسبب أهميته أولاً، وبسبب حساسية الوضع الجيوبولتيكي الإثيوبي في بلدان منابع النيل ثانياً. إضافة إلى انعكاسات هذا الدور على دول الجوار السوداني الأقل تأثيراً عسكرياً واقتصادياً.

وهذا يمثل نقلة هامة إيجابية في حال التزام طرفَيْ النزاع السوداني، وفي حال بقاء القضايا الأخرى العالقة دون حل، وفي حال التعاطي معها سودانياً ومن دول الجوار السوداني أيضاً بطرق سلبية قد يعيد التوتر من جديد إلى المنطقة. وهذا ما أقر به زعيما البلدين البشير وميارديت، ولهذا مغزاه أيضاً. إذ يمثل السودان جغرافياً وسياسياً إحدى الدول الهامة إفريقياً، وكيفية التعامل »الأجنبي« مع اتفاق أديس أبابا، الذي يفترض أن يمثل انفراجاً للعلاقة بين دولتَيْ السودان، وتالياً كيفية التعامل الدولي والقاري الإفريقي معه، بعد أن مثل اتفاق نيفاشا إنهاء لأطول حرب داخلية شهدتها القارة الإفريقية.

إذاً اتفاق جديد ومفصلي بين دولتَيْ السودان وجنوب السودان، مفيد للطرفين وحاجة ملّحة لهما أيضاً، وبخاصة عدم العودة إلى حالة الاحتراب والاقتتال، ومواصلته عبر حل القضايا العالقة الحدودية أساساً، وكيفية ترسيمها، وموافقة الدولتين عليها. كذلك بوصفه اتفاقاً برعاية إثيوبية، وتالياً إفريقية تمثل ضمانة قارية لتنفيذه.. واستمرار الجهود الإثيوبية والإفريقية للتوصل إلى حل توافقي حول النقاط التي لم يتم التوصل إليها في قمة أديس أبابا.. وفي هذا مصلحة للطرفين. ويترك آثاره الإيجابية على الأوضاع الهشة في دول شمالي إفريقية، التي غذَّى بعضها الصراعات والتجاذبات بين شطري السودان، وفي منطقة القرن الإفريقي لخدمة أجندات محلية ودولية مريبة.

العدد 1102 - 03/4/2024