الدورة ال67 للجمعية العامة: استحقاق أيلول الفلسطيني وانسداد أفق الحل المنظور!

يلوّح المسؤولون الفلسطينيون باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها السابعة والستين الحالية، وبموجب إجراء (الاتحاد من أجل السلام) في مواجهة توقف المفاوضات، ورفع سقف التوقعات بشأن إمكان الاعتراف بدولة فلسطين، وقبولها عضواً جديداً في الأمم المتحدة، أو (دولة غير عضو).. لكن مثل هذا الإجراء يتطلب أن تكون القضية المطروحة تهدد السلم والأمن العالميين أولاً، وأن يخفق مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات بشأنها ثانياً. وعلى افتراض نجح الفلسطينيون في اللجوء إلى هذا الخيار، وحصلوا على تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام ،1967 فإن هذا التصويت لن يكون قبولاً لعضوية جديدة في الأمم المتحدة، إلا إذا عاد مجلس الأمن وأوصى بهذه العضوية وفق ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الإجرائية المرعية. وهنا سيكون (الفيتو) الأمريكي بالمرصاد مرة أخرى!

أما المسعى الفلسطيني الذي قد لا تعارضه الإدارة الأمريكية فهو مضمون (المبادرة الفرنسية) التي طرحت في السنة الماضية، وفي شهر أيلول تحديداً، أي الاكتفاء بالحصول على مكانة شبيهة ب(دولة الفاتيكان) في الأمم المتحدة، أو (وضعية الدولة غير العضو)، من دون الانتقال إلى طلب عضوية فلسطين الكاملة في المؤسسات والأجهزة التابعة للأمم المتحدة، وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية، على غرار ما حدث في منظمة اليونسكو.

العودة للدوران في ملهاة جديدة

وهكذا تستكمل دائرة (استحقاق أيلول) التي بدأت السنة الماضية بطلب عضوية في الأمم المتحدة أقل مستوى، ليبدأ الدوران في ملهاة جديدة، تبدأ بانتظار استحقاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثم تسلّم الرئيس الأمريكي المنتخب مهمات ولايته الجديدة في كانون الثاني ،2013 وقبل بدء ملهاة أخرى تتوّج بانتظار استحقاق الانتخابات الإسرائيلية في خريف عام 2013.

غير أن ثمن الحفاظ على الوضع الراهن بالاستحقاقات المصطنعة في سياق السياسة ذات الطابع الانتظاري، سيكون باهظاً جداً.. فمثل هذا الوضع يمكّن نتنياهو من توفير أقصى درجات الاستقرار لحكومة أقصى اليمين العنصرية من أجل مواصلة سياسة فرض الوقائع على الأرض بقوة السلاح والاستيطان التهويد وجدران الفصل العنصري، وبناء خيار عسكري عدواني ربما يطول غزة قبل إيران، في ظل سياسة فلسطينية وعربية رسمية تتلهى باستحقاقات تقطع الطريق على إمكان تبني خيارات استراتيجية تغادر مربع المراهنة على المفاوضات العبثية المرتهنة شكلاً ومضموناً للاختلال القائم في ميزان القوى، وتسعى لتغييره من خلال إعادة النظر في شكل السلطة ودورها ووظائفها، بما يحول دون تحولها إلى وكيل يطيل بقاء الاحتلال بدلاً من إنهائه ورحيله عن الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام ،1967 وتعمل على بناء خيار المقاومة الشاملة للاحتلال والاستيطان في القدس ومحيطها، وعلى تخوم المستوطنات والجدران العنصرية، وتستند تلك المقاومة إلى تحقيق الوحدة الوطنية بإعادة إحياء وتفعيل دور (م.ت.ف) ومشروعها الوطني الجمعي للفلسطينيين جميعاً في الوطن والشتات، والاستفادة مما هو آت في المنطقة العربية من ترسيخ لقيم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.. المعادية في جوهرها لمعاني وممارسات الاحتلال والاستيطان والعنصرية التي تمثلها إسرائيل الصهيونية.

لابد بداية من الاعتراف بفشل طريق أوسلو، التلويح الجدي يكون بالعودة إلى الوحدة الوطنية، وبإقامة جبهة وطنية داخلية متماسكة، ثم لابد من وضع برنامج سياسي مشترك يلزم الجميع، في مقابل تخلي السلطة عن التنسيق الأمني مع إسرائيل، والشروع في حوار عربي- فلسطيني للبحث عن مخارج مشرفة، فإما أن تفرض وتصاغ وتتبلور استراتيجية مواجهة عربية بكل مقوماتها المادية، وفي مقدمتها احتضان المقاومة بوصفها حالة بينية لابد من توفرها، إلى أن تبصر النور الاستراتيجية العربية على الصعيد القومي.

أما في شأن المفاوضات، فيجب أن يكون واضحاً أن لا عودة إلى المسارات المنفصلة، لأنها تتيح لإسرائيل الاستفراد بكل طرف على حدة.. ومن هنا فإن أي خيار تفاوضي لابد أن يكون بمنطق (مبادرة السلام العربية) المعطلة منذ قمة بيروت عام ،2002 شامل لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وفي حال فشل مثل هذا الخيار-وهو سيفشل- فإن على الدول العربية أن تدعو (مصر والأردن) إلى إلغاء (اتفاقيات السلام) المنفردة مع إسرائيل، نظراً لما فيها من ظلم وإجحاف بالحقوق القطرية والقومية. وفي هذه الحالة يمكن طرح خيارات بديلة: خيارات مواجهة يقود إليها التوافق والحوار العربي- العربي، وهي خيارات تحول المأزق العربي إلى مأزق إسرائيلي وأمريكي، وتطرح حلاً لاستعادة التنسيق العربي بلغة ومضامين لا يريد النظام الرسمي العربي التخلي عنها.

الأمم المتحدة وبناء السلام

بعد مضي سبعة وستين عاماً على إنشاء الأمم المتحدة، يتواكب عام 2012 مع مرور خمسة وستين عاماً على نكبة فلسطين، ولايزال الشعب الفلسطيني يكافح من أجل خلاصه الوطني وحقه في الاستقلال وتقرير المصير، وتحرير بلاده من أطول وآخر احتلال عرفه العالم.. والمفارقة هنا هذا التناقض بين ما نصت عليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة حول تنمية علاقات الصداقة بين الأمم المتحدة استناداً إلى احترام مبدأ المساواة في الحقوق وحق تقرير المصير للشعوب؟! وأيضاً ما نصت عليه المادة الثانية حول ارتكاز المنظمة على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء من ناحية، وتشكيل واختصاص مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع من الميثاق من ناحية أخرى! إذ يتكون المجلس من خمس دول دائمة العضوية تتمتع بمقاعد دائمة، وباقي الدول العشر أعضاء غير دائمين، ينتخبون لمدة سنتين، وللفئة الأولى حقوق وامتيازات سياسية وطبقية تفوق حقوق باقي الدول الأعضاء باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد صدور أي قرار، ولو اجتمعت عليه غالبية الدول الأعضاء في المجلس، الأمر الذي أعاق قيام المجلس بأداء مهامه في حفظ السلام والأمن الدوليين. وأمثلة ذلك الصارخة: الصراع العربي- الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية في الشرق الأوسط، وقضية كشمير في شبه القارة الهندية، إذ لم تتمكن منظمة الأمم المتحدة من إيجاد حل وتسوية للقضيتين، سواء من خلال الوسائل السلمية وفقاً للفصل السادس من الميثاق، أم من خلال نظام الجزاءات وفقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق.

لقد حال استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض (الفيتو) دون اتخاذ ونفاذ العديد من القرارات لصالح قضية الشعب الفلسطيني، رغم توافر أغلبية كبيرة لصالح اتخاذ قرارات منصفة في هذا الشأن.. وحتى ما اتخذ من قرارات لم يُطبق عملياً نظراً لعدم توافر الإرادة السياسية لدى بعض الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، خاصة الولايات المتحدة. وقد جاءت الحرب الكورية في بداية خمسينيات القرن الماضي، وفشل مجلس الأمن في القيام بمسؤولياته، سبباً رئيسياً في اتخاذ قرار (الاتحاد من أجل السلام) بمنح الجمعية العامة اختصاصاً بديلاً لمجلس الأمن لمواجهة تهديد السلام والأمن بقرار تتخذه بأغلبية الثلثين، ومع ذلك استمر عدم تنفيذ القرار الأممي رقم 181 الذي نص على تقسيم فلسطين إلى (دولتين) في عام ،1947 وقرار الجمعية العام رقم 194 لعام 1949 الذي نص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هُجّروا منها، والقرار 242 لعام ،1967 والقرار 338 لعام 1973 وكلها ينص على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة، والانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام ،1967 وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الكامل بالاستقلال والسيادة وتقرير المصير.

مهما يكن فستبقى الأمم المتحدة مجرد امتداد للسياسة الخارجية للقوة الدولية الوحيدة (الولايات المتحدة)، وذلك إلى حين قيام تحالف بين الدول النامية والدول المرشحة لكي تكون قوى عظمى جديدة في عالم الغد، وهي الصين والهند والبرازيل، وأن يعتمد هذا التحالف المبادئ الخمسة التي جاءت في الاتفاقية الموقعة عام 1954 بين الصين والهند أساساً للإصلاح الجذري في منظمة الأمم المتحدة:

1- الاحترام المتبادل لسيادة أراضي جميع الدول وسلامتها.

2- الالتزام المتبادل بعدم الاعتداء.

3- عدم تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

4- المساواة والمنفعة المتبادلة.

5- التعايش السلمي، ونظام عالمي أكثر عدلاً.

وإن تجديد هياكل الأمم المتحدة الذي طرح مشروعه في قمة الألفية، وأعيق تنفيذه لمصالح أمريكية وغربية واضحة، هو مطلب ملّح وراهن لتفعيل المنظمة الدولية وإيقاف كوارث الفوضى المعممة والتدخلات الفظة في شؤون الدول.

العدد 1104 - 24/4/2024