إرهاب الطائرات الأمريكية دون طيار… إجرام باسمنا

تروج في الولايات المتحدة حكاية مفادها أن استخدام الطائرات دون طيار في باكستان هو للقيام بعمليات جراحية دقيقة ووسيلة ناجعة لجعل الأمريكيين أكثر أمناً، عبر تفعيل (الاستهداف بالقتل) بحق الإرهابيين بأقل الخسائر الجانبية. إنها لحكاية ملفقة.

بتلك الكلمات المقلقة، وغير المفاجئة، التي هي أقل من الحقيقة، استهلت دراسة دامت تسعة أشهر لحملة رسمية ولكن غير معترف بها قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لقصف منطقة شمال وزيرستان الباكستانية قرب الحدود الأفغانية بالطائرات دون طيار. التقرير الذي حمل عنوان (العيش نحت الطائرات دون طيار) هو ثمرة جهد مشترك لعيادة العدالة الدولية التابعة لكلية القانون في جامعة نيويورك، وعيادة حقوق الإنسان الدولية وحل النزاعات التابعة لكلية القانون في جامعة ستانفورد.

يذهب تقرير جامعتي نيويورك وستانفورد أبعد من الإبلاغ عن العدد المتوقع للضحايا المدنيين المبتلين بهذه الحملة الأمريكية المميتة وغير القانونية. فهو أيضاً توثيق للجحيم الذي يعانيه الشعب الباكستاني في ظل سياسة الرئيس باراك أوباما التي تتضمن (لائحة للمستهدفين بالقتل)، التي منها يختار أوباما شخصياً المستهدفين. ليس من الصعب تصور ذلك الجحيم. تخيل نفسك تعيش في منطقة تزورك فيها طائرات دون طيار زيارات روتينية حاملة معها صواريخ (نيران الجحيم). من الصعب على الولايات المتحدة في ظل هذه السياسة كسب الأصدقاء.

يبرر المدافعون عن هذه الحملة أعمالها بالقول: إن الميليشيات الباكستانية تهدد القوات الأمريكية في أفغانستان، إضافة إلى تهديدها للمدنيين الباكستانيين. بالتأكيد هنالك طريقة سهلة لحماية القوات الأمريكية: أعدهم إلى الوطن. فالحرب الطويلة على أفغانستان التي استمرت أحد عشر عاماً لم تقدم أية مساهمة تذكر في توفير السلامة للشعب الأمريكي. بل على العكس جعلت حياتهم محفوفة بالخطر عبر خلقها العداء وتشجيع الانتماء للجماعات المعادية للولايات المتحدة. تدعي الرواية الرسمية الأمريكية أن الغزو الأمريكي لأفغانستان كان يهدف إلى استئصال تنظيم القاعدة وطالبان التي توفر له المأوى. مع ذلك كانت النتيجة الفعلية للغزو وللسياسات المتعلقة به، بما فيها غزو العراق وقصف اليمن والصومال، كان تسهيل انتشار القاعدة والجماعات المشابهة لها.

تعتمد السياسة الأمريكية الدقة في طريقتها بتضخيم الخطر الكبير، حتى أصبح يحفز هذه السياسة. وتحذر إدارة أوباما هذه الأيام من الأخطار في سورية وليبيا حيث هوجمت قنصليتها وقتل سفيرها. و(بفضل) السياسة الأمريكية فَرَّخَ تنظيمُ القاعدة في أفغانستان تنظيمَ القاعدة في العراق، وتنظيمَ القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيمَ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.  

إن كان ذلك يعدّ نجاحاً، فكيف يبدو الفشل إذن؟

وفيما يتعلق بالمدنيين الباكستانيين يقر التقرير بما مفاده: وبينما من النادر اعتراف الحكومة الأمريكية بسقوط ضحايا مدنيين، هنالك دليل دامغ  على أن ضربات الطائرات دون طيار قد أدت إلى قتل عدد من المدنيين وجرح عدد آخر. من الصعب الحصول على بيانات عن ضحايا الضربات بسبب الجهود الأمريكية لحجب برنامج الطائرات دون طيار عن المساءلة الديمقراطية، معززة بالعقبات التي تواجه تحقيقاً مستقلاً حول الضربات على شمال وزيرستان. إن البيانات الأفضل المتوفرة حالياً حول ضربات الطائرات دون طيار هي تلك البيانات المجمعة التي يوفرها مكتب الصحافة الاستقصائية (TBIJ)، وهو منظمة صحفية مستقلة. يفيد تقرير المكتب أنه منذ حزيران عام 2004 حتى منتصف أيلول 2012 تشير البيانات المتوفرة أن ضربات الطائرات دون طيار قد قتلت 2562-3325 شخصاً في باكستان، بينهم 474-881 مدنياً، منهم 176 طفلاً. ويفيد تقرير هذا المكتب أن الضربات أدت أيضاً إلى جرح 1228-1362 شخصاً.  

وتنكر إدارة أوباما أنها قد قتلت مدنيين، لكن ضع في حسبانك عواقب اعتبار هذه الإدارة أي شخص في سن الخدمة العسكرية جزءاً من الميليشيات. ولا يؤخذ هذا على محمل الجد.  

يتابع التقرير: تسبب سياسة ضربات الطائرات دون طيار ضرراً كبيراً لحياة المدنيين العاديين أكثر تأثيراً من الموت أو الإصابة بالجراح. فالطائرات دون طيار تحلق 24 ساعة في اليوم فوق التجمعات السكانية في شمال غرب باكستان موجهة ضرباتها إلى المنازل والسيارات والساحات العامة دون إنذار. ويرهب وجودها النساء والرجال والأطفال، وهو ما يؤدي إلى القلق والصدمات النفسية بين المجتمعات المدنية. وعلى هؤلاء الذين يعيشون تحت رحمة الطائرات أن يعانوا القلق الدائم من أن هجمة مميتة يمكن أن توجه نيرانها في أية لحظة، يزيد من قلقهم معرفتهم أنهم فاقدو القدرة على حماية أنفسهم.    

حتى إنها أسوأ مما تبدو عليه.

إن ممارسة الولايات المتحدة لعملية توجيه ضربة لمنطقة واحدة عدة مرات، والدليل أنها قتلت حتى المنقذين، يؤدي إلى إخافة أبناء هذه المناطق والعاملين في المجال الإنساني وتمنُّعِهم عن تقديم المساعدة للجرحى. كما أنه ينفر بعض أبناء هذه المناطق من الاحتشاد في مجموعات.

كيف يمكن للأمريكيين تحمُّل هذه الجريمة التي تقترف باسمهم؟ لكن لا تتوقع مناقشة لها خلال مناظرات تحليل السياسة الخارجية. فميت رومني يصادق على إرهاب الطائرات دون طيار.

 

شيلدون ريتشمان

عن: موقع (مؤسسة مستقبل الحرية).

ترجمة: مالك ونوس

العدد 1102 - 03/4/2024