«أرواح عارية».. الخيانة الزوجية في وجهة نظر مختلفة

يندرج (أرواح عارية) ضمن المسلسلات السورية الدرامية الجريئة في تناولها بعض تابوهات مجتمعاتنا العربية، وأهمها موضوع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وربما الأمر المهم هنا هو أن من يقوم بفعل الخيانة هو المرأة.

في هذا العمل نبش فادي قوشقجي في المسكوت عنه وطرحه بجرأة كبيرة ودون تجميل أو رتوش أو مواربة، ليس الرجل فقط هو الوحيد القادر على ارتكاب فعل الخيانة دون أسف أو إحساس بالمسؤولية، لكن المرأة كذلك قادرة على ذلك إن قصدت، بغض النظر عن الظروف والمبررات الكثيرة التي أدت لذلك، من خيانة الزوج إلى تعامله السيئ معها منذ الليلة الأولى للزواج، واستهتاره بمشاعرها وبجسدها، وشخصيته النفسية المختلة، إلى الوسط الاجتماعي الذي هو في جزء لا بأس به رديء وفاسد ويتستر خلف قشرة من الضوابط الأخلاقية الكاذبة.

 تمكنت بطلة العمل الرئيسية سلافة معمار بأداء جيد أن تقنعنا بوجهة نظر هذه الشخصية التي انتقلت من حالة الاستهتار الأخلاقي والسلوكي إلى الالتزام العاطفي، بعد تعرفها على الشخص المناسب وبعد رحلة اكتشافها لذاتها وإدراكها لكيانها الإنساني. وهذه المرأة هنا ليست فتاة ليل أو غانية، إنها زوجة كانت قد اتخذت قرارها بالعبث خارج إطار الزوجية لعدة أسباب أهمها: سلوك الزوج، ثم حالة الضياع التي عاشتها بين عدة رجال غير أخلاقيين. لكن هذا الضياع ينتهي عندما تلتقي برجل حقيقي يحبها كماهي ويتقبل روايتها. وهنا كان الأمر الهام جداً، صدقها في الحديث عن نفسها ومواجهتها لخطيئتها التي قررت أن تتخطاها مع الرجل الذي تحب والذي منحته الخيار، بعد أن أطلعته على الحقيقة الصعبة. فاختارها رغم ما سيواجهه من انتقاد حاد من المجتمع الذي اعتاد أن لا يسامح المرأة على الخيانة. بل اعتاد غالباً على قتلها دون رحمة، دون نظر في مبررات هذا الفعل. بينما اعتاد نسيان أو تناسي وربما مسامحة الرجل على فعل الخيانة كأنه أمر طبيعي وزلة بسيطة يستطيع أن يقترفها متى شاء و أن يبررها بسهولة (نزوة)، وبالتالي ربما سنجد هنا مع تعدد مثل هذه الأعمال الدرامية في المستقبل إعادة نظر في مفهوم الشرف.

ما يميز عمل قوشقجي هنا هو الخاتمة، أعجبتني إمكانية المسامحة والبداية الجديدة التي قدر عليها الحب خلافاً لمعظم الأعمال الدرامية السورية السابقة. النهاية هنا محملة بالإمكانات الإيجابية والأمل، وهذا مهم للغاية. وبدأ بالتنبه له كتاب الدراما السورية أخيراً، إذ إنهم بذريعة محاكاة الواقع الاجتماعي كانوا يزيدون الأمر سوءاً بالنهايات المفجعة السوداوية. وأعتقد أنهم في ذلك كانوا في غفلة عن أمر هام للغاية، وهو أن أفراد المجتمع ليسوا متشابهين جميعاً في ردود أفعالهم تجاه هذه القضايا على حدتها. صحيح أن النسبة الأكبر تتعاطى معها بفعل عنفي كالقتل، لكنْ دائماً ثمة أفراد مختلفون قادرون على المسامحة وعلى تقدير هذه الأمور بطريقة مختلفة، رغم إشكاليتها الأخلاقية المتوارثة. وهنا تأتي أهمية الدراما التلفزيونية ودورها الاجتماعي الهام في توسيع دائرة الوعي بوصفها الوسيلة الأكثر شعبية للترفيه وللتلقي، وبالتالي التأثير على الرأي العام الشعبي في التمهيد لمرحلة اجتماعية جديدة تتعلق بتحديث قوانين الأحوال الشخصية و تضييق حالات جرائم الشرف التي تعانيها مجتمعاتنا، و إعادة النظر بالعديد من الموروثات الأخلاقية والسلوكية. وربما بسبب جرأة هذا العمل نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، كان من أفضل الأعمال التي عرضت في الموسم الرمضاني الدرامي الأخير، ومن أكثرها متابعة.

ومن حقنا دائماً أن نشيد بكوادرنا الفنية السورية، كُتاباً ومخرجين وفنيين وممثلين رائعين، يدركون تماماً أهمية عملهم لمجتمعهم السوري والعربي في مقاربة القضايا الاجتماعية الإشكالية المعاصرة التي تتطلب الكثير من التحليل والدراسة، لتساهم في نهضة المجتمع ورقيه الإنساني والحضاري، حتى ولو تحت ظروف صعبة جداً، كالتي تمر بها سورية اليوم.

تحية من القلب لهم جميعاً!

العدد 1104 - 24/4/2024