ما بين الأزمة والدراما

مع انتهاء شهر رمضان الكريم وما يرافقه عادة من عروض لأعمال درامية على الشاشات التلفزيونية، يعود الحديث عن الدراما السورية التي سيطرت في السنوات الأخيرة على الشاشات العربية، إذ قدمت هذه الصناعة العديد من الأعمال المميزة، بين الكوميدي والجدي الذي يتراوح في مواضيعه ما بين التاريخي العربي أو الدمشقي، وصولاً إلى مسلسلات تتناول قضايا اجتماعية وسياسية حساسة لم يسبق أن تجرأ صناع الدراما في العالم العربي أن يطرقوا بابها. وقد شهدت الأعمال الدرامية السورية هذا العام تراجعاً عما سبق، بوجود قرابة عشرين مسلسل فقط من إنتاج القطاعين الحكومي والخاص، مع ملاحظة عدم رغبة القنوات العربية بقبول أي عمل عن الأزمة السورية، وكان في مقدمة هذه القنوات شبكة (MBC) السعودية، التي على ما يبدو لا تريد أن تعرض على شاشاتها أي عمل له علاقة بما يسمى بـالربيع العربي تخوفاً من انتقال عدوى التظاهرات والانتفاضات الشعبية إلى أراضي الحجاز والخليج. ولكننا اليوم وفي خضم الأزمة التي يشهدها الشارع السوري نتساءل أين كانت الأزمة في فننا السابع؟!. فالمختلف هذا العام في درامانا السورية تقديم مسلسلات بعيدة في بعض جوانبها عن الواقع السوري، إذ هربت أغلب النصوص من زمنها بتجاهل الحدث على أرض الواقع، على الرغم من الأزمة التي ألقت بثقلها على الشعب السوري وتأثره بها اقتصادياً واجتماعياً إضافة إلى تأثيرها السياسي.فالأحداث التي تشهدها الساحة السورية منذ عام ونيف تقريباً أنتجت أزمات عديدة اكتوى بنارها المواطنون السوريون كأزمة المازوت والغاز والبنزين، وليس أخيراً أزمة في البحث عن لقمة العيش، كل هذه الأزمات مجتمعة جعلت الحياة اليومية للسوريين أشبه بدراما معاشة يتناقلون أخبارها ويرون قصصها بحبكة صاغتها الأزمة والأحداث المتصاعدة على أرض الواقع بوتيرة متسارعة، وأخرجها بعض المنتفعين والسماسرة، علماً أن البطولة كانت للشعب السوري الباحث عن حاجته الأساسية ليسد رمقه برغيف من الخبز. وفي مشهد آخر نرى البطل السوري يهرب من بيته مسرعاً تحت سماء ماطرة برصاص يغتال شقاء عمره ويحصد أرواح أخوة في الدم السوري، فغادر بيته ولم يعد، بل قضى ليلته يسير في الطرقات الخاوية محاولاً أن يطرد ذكرياته من مخيلته.ومن جانب آخر عزا البعض هروب الدراما من محاكاة الواقع إلى أن الأزمة لم تأخذ أبعادها على الأرض بشكل واضح، ولم تختمر تعبيراتها الفنية والفكرية في الدراما حتى الآن، على الرغم من مقاربة بعض الأعمال للأزمة من خلال رصد تداعياتها وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للسوريين، إلا أنها  لم تخض في جانبها السياسي على نحو مباشر.

في الختام نأمل أن ينتهي العمل الدرامي الذي يتابعه المشاهد السوري بعين ثاقبة حاملاً السلام لبلد رفع لواء السلام دائماً، ونشره نوراً يفيض حباً في أرجاء بلاد الشمس، وأن تبقى الدراما السورية منبراً لرصد مكامن الخطأ والثغرات في المجتمع لكي يتم تلافيها فلا تتحول لأداة بهرجة تحمل أفكاراً وثقافات مستوردة من الفضاء الوافد إلينا عبر المحطات العديدة.

العدد 1104 - 24/4/2024