الدراما السورية والتغيير

هل من مهمة الفن أن يساهم في تغيير المجتمعات وأنماط التفكير، أو إيجاد حلول لمشاكل اجتماعية ومعالجتها ضمن سياقات مختلفة؟ أم هو فقط فن للفن والامتاع فقط؟

طالما طرحنا هذا التساؤل في معرض الحديث عن الدراما السورية، هذه التي بدأت منذ أوائل التسعينيات بثورة غيّرت نظرة العالم العربي إلى الدراما السورية وكانت البداية الصورة، ولفتت أنظار العالم إليها (وطبعاً بعد مسيرة تراكمية طويلة)، فتداولتها المحطات وبدأ انتشارها مع تزايد عدد القنوات وتوسع الاتصالات، واستمر هذا النجاح ليزداد مع المرحلة الثانية من الثورة الدرامية السورية، وهذا كان دور الكتّاب عندما بدؤوا بطرح إشكالات كبيرة ومواضيع جريئة من واقع الحياة السورية، من تفاصيل الحياة اليومية وتشعباتها التي أظهرت بوضوح ذلك المجتمع الذي يعاني مشاكل عديدة دون مواربة. فكانت الأمراض الاجتماعية واضحة كسرت التابوهات المسكوت عنها لزمن طويل، السياسة والدين والجنس. لتبدأ ثورة حقيقية بالدراما السورية، وضع الكتاب والمخرجون يدهم على الجرح الحقيقي، فزادوا من نزيفه تارة، وعالجوه تارة أخرى. لفتوا النظر إلى مواضيع حساسة كان البعض يعتقد أنها خاصّة لا يمكن تعميمها، وإذ هي مشكلة يعانيها معظم الأفراد والأسر في مجتمعنا. تحدثوا عن موروثات اجتماعية كادت تشكل قواعد غير قابلة للنقاش، وإذ بالمسلسلات تناقشها وتطرح أسبابها بجرأة، حتى إنها كانت تصل إلى حلول جريئة. إضافة إلى مواضيع الفساد في الدولة والمحسوبيات ومدى تأثير ذلك على تفاصيل الحياة والقيم الأخلاقية التي تغيّرت مع تغيّر أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ليرتبط كل ذلك مع بعضه.

ولا يخفى دور الدراما في المشاركة مع عدد من الحملات التي أقامها المجتمع المدني، فكانت المرتكز الأهم في نجاح الحملات. ونذكر على سبيل المثال المشاركة في حملة جرائم الشرف، فقد كان للمسلسلات والحكايا التلفزيونية دور كبير في الحديث عن هذه الجرائم وخفاياها، والتغاضي الأخلاقي والقانوني عن مرتكبيها، ما أدى إلى تغيير حقيقي في نمط التفكير الذي كان متوافقاً مع هذه الجريمة في كثير من الأحيان، وأيضاً المشاركة في حملة (جنسيتي لي ولأسرتي)، فكانت هنالك القصص التي تحكي عن معاناة المرأة والأسرة بسبب قانون لا يسمح للمرأة السورية أن تعطي جنسيتها لأطفالها المقيمين في سورية، وعدم المساواة بين المرأة والرجل في هذه النقطة ونقاط كثيرة.

وما زالت الدراما السورية تعانق هموم المواطن السوري والعربي والإنسان بشكل عام، لتطرح القضايا كجزء من قضايا الإنسان والمواطن بعيداً عن تابوهات مغلقة غير قابلة للنقاش. وقد شكلت الدراما السورية حقاً المحرّك الأساسي للتغيير والمرادف له بأوجه نظر تختلف بحسب الكاتب والمخرج والمنتج والمحطة التي ستبث هذا المسلسل أو ذاك، وبتنوع المحطات تنوعت كل هذه الأعمال وعثرت على مكان لها إما بشروطها أو بشروط من أنتجها أو قدّم لها المال، الخيارات متعددة ومفتوحة ويبقى المجال متاحاً للتغيير دوماً.

العدد 1104 - 24/4/2024