من الحرب الباردة إلى الحرب ضد الإرهاب

رأى الاستراتيجيون العسكريون والسياسيون، أن الحرب الباردة بدأت عام 1945 بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ونتيجة مباشرة لانتصار (الاتحاد السوفييتي والحلفاء) فيها. وتشكيل قوتين عالميتين يتزعمهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وحلفين عسكريين (الأطلسي ووارسو). وتأسست حركة دول عدم الانحياز منذ 57 عاماً، أي عام 1955. وحضر مؤتمر (باندونغ) 29 دولة، وصدر عنه (مبادئ باندونغ العشرة). وفي عام 2011بلغ عدد دول حركة عدم الانحياز  118 دولة، وفريق رقابة من 18 دولة و 10 منظمات.

وخلال هذه العقود برز دور حركة عدم الانحياز، قوةً سياسية تحررية غير منحازة للمعسكرين (الرأسمالي والاشتراكي). تناضل من أجل تأييد حق تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة، ومعارضة الفصل العنصري، والابتعاد عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الاستعمار بكل أشكاله ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وتدعيم الأمم المتحدة وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي والتعاون الدولي على قدم المساواة.

لم تكن مواقف هذه الحركة خلال هذه المسيرة الطويلة واحدة موحدة، بل تعرّضت لاهتزازات وحالات صعود وهبوط، خاصة بعد فشل التجربة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفييتي، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وتحكّمها في البوصلة العالمية، وهيمنتها على المنظمات الدولية ومؤسساتها المالية. ووضعت دول عدة نفسها تحت مظلة الولايات المتحدة. وبرزت دول عظمى (روسيا والصين والهند) مناهضة لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها، واستمر تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تفجرت في الولايات المتحدة منذ (آب 800#)، ودعمها للإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية، وفشلها في إدارة السياسة العالمية، وإعادة بناء إمبراطوريتها، وهزيمتها في أفغانستان والعراق والصومال، وتشغيل عملائها في المنطقة (إسرائيل ودول الخليج وتركيا)، وتصدير الإرهاب المنظم لتفتيت سورية والسيطرة عليها، كمقدمة للوصول إلى إيران والقضاء على المقاومة وإنهاء القضية الفلسطينية.

إن ما تقدَّم من أسباب ونتائج إقليمية ودولية، ترافقت مع الحراك السياسي في المنطقة العربية، ومحاولة الإسلام السياسي من مختلف الانتماءات الفكرية السيطرة على معظم البلدان العربية، جاء انعقاد الدورة السادسة عشرة في طهران بعد مؤتمر (شرم الشيخ) عام 2009 ، وبالتالي سترأس إيران الحركة للسنوات الثلاث القادمة.. وشارك في هذه الدورة 120 دولة. وتضمَّن البيان الختامي للقمة قرار تشكيل مجموعة اتصال تضم (إيران ومصر وفنزويلا)، لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، ورفض الحل العسكري والتدخل الخارجي في شؤون سورية الداخلية، والترحيب بجهود المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي. وبالنسبة إلى فلسطين، تشكيل مجموعة عمل لمتابعة القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وإدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. وأشارت البيان إلى قلق دول حركة عدم الانحياز من امتلاك إسرائيل السلاح النووي، والدعوة لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وشددت الحركة على حق الدول في الاستفادة من الطاقة الذرية للأغراض السلمية.

لقد توترت أجواء المؤتمر في اليوم الأول، عندما وصف الرئيس المصري النظام السوري ب(النظام القمعي) وأنه (نظام غير شرعي). ورحَّبت واشنطن بالانتقادات التي وجهها مرسي لسورية، وكذلك بتلك التي وجهها بان كي مون لإيران. وانسحب الوفد السوري من الجلسة احتجاجاً. ورد وزير الخارجية السوري بحزم على مرسي، وقال: إن مرسي يحرض على سفك الدم السوري، وهذا يمثل خروجاً على تقاليد رئاسة القمة. ويعتبر تدخلاً في شؤون سورية الداخلية، ويعبر عن رئيس حزب لا عن رئيس حركة عدم الانحياز. ووصف المستشار الدولي لرئيس البرلمان الإيراني الرئيس المصري، بأنه يفتقد للنضج السياسي الضروري ليرأس قمة حركة عدم الانحياز.

العدد 1102 - 03/4/2024