كي لا نشارك تجار الحروب!

بينما كنت أستقل السرفيس إلى شارع الثورة، فاجأني الراكب السبعيني المجاور لي بسؤاله المباغت: هل سمعتم أي جديد عن قانون الإيجار؟ قلت له: العقد شريعة المتعاقدين، هذا آخر ما توصّلت له قوانين الإيجار في بلدنا، وتابعت الحديث بسؤاله: هل لديك عقار مؤجّر قديم؟ فقال لي: لا، بل إن حالتنا أصبحت مزرية بسبب ما يحدث الآن، فقد تركنا بيوتنا ولا نعلم عنها شيئاً، وخسرنا كل ما كنا قد حصدناه طيلة أربعين عاماً في العمل، لكن مشكلتنا ليست هنا بل في الإيجار، فنحن استأجرنا هنا في قلب دمشق في الأماكن الأكثر أمناً، لكن كلما جدّدنا العقد زادت الأجرة؟ ولا حلّ لنا إلا الرضوخ لصاحب البيت أو أن نبحث عن مكان آخر وسط شحّ الأمكنة وجشع الناس، ألا يوجد حل لهذا الجشع المتنامي؟ لم أستطع إجابته، فمعاناته هي معاناة معظم السوريين الذين فقدوا بيوتهم ولم يهاجروا أو يلجؤوا إلى بلد آخر بل آثروا العيش في سورية، وفي الوقت نفسه لن يستطيعوا العيش في مراكز اللجوء وتحمّل طريقة الحياة المفروضة والمنظّمة من قبل آخرين..

لكن الجواب يكمن حتماً عند كل مواطن في هذا البلد، كل مواطن لم يستطع بعد أن يدرك حجم المأساة التي تعانيها بلادنا، وتلك المأساة التي تعنيه أولاً وأخيراً، فأي ظلم لأحد ما سيتحول يوماً إليه، فالأخلاق قبل القانون وهي التي يجب أن تكون الركيزة الأساسية التي تسيّر حياة كل مواطن يشعر بانتمائه ليس فقط لوطنه بل لشريكه في هذا الوطن، في الإنسانية، وهنا يبدو الإنسان الحقيقي القادر على الولادة ، الإنسان الذي لا يشارك في قتل وانتهاك الشريك معه، تحت مسميات وذرائع الحاجة وظروف الحياة، لنعلن الأخلاق أولاً، كي لا نكون شركاء مع تجّار الحروب!

العدد 1140 - 22/01/2025