ما هو جديد منظومة «بريكس»؟

عقدت مؤخراً في البرازيل القمة السادسة لمجموعة (بريكس)، وقد اعتبرتها الدول المنضوية تحت لوائها خطوة هامة في عملية الانتقال من النظام العالمي الأحادي القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب، ومن غير المستبعد أن تؤدي قرارات هذه القمة المتعلقة بتأسيس منظمات مالية خاصة بالمجموعة إلى تغيرات كبيرة في أوضاع السوق العالمية مستقبلاً.

وتضم مجموعة (بريكس) حالياً خمس دول، هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتشكل مساحة هذه الدول نحو ربع مساحة الكرة الأرضية، وعدد سكانها أكثر من 40% من سكان العالم، ويشكل إجمالي حجم اقتصادها نحو 25% من الاقتصاد العالمي. ولا شك في أن الميزة المتعلقة بعدد السكان الكبير في دول (بريكس) لها أهمية كبيرة، لأنها تعني وفرة اليد العاملة التي تخلق الثروة، ووفرة الموارد الطبيعية اللازمة للنمو الاقتصادي، وضخامة السوق التي تعني إمكانيات كبيرة لاستهلاك السلع والخدمات.

هذه الميزات الثلاث شكلت عنصراً مهماً في دعم النمو السريع لدول (بريكس) في السنوات العشر الأخيرة، كما أنها دعمت دور هذه الدول مجتمعة في الاقتصاد العالمي، إذ تقدر مساهمتها في نموه بنحو 50% في الأعوام الأخيرة.

لقد وقع زعماء الدول الخمس خلال القمة البرازيلية الأخيرة اتفاقيتين لإنشاء بنك للتنمية، وصندوق للاحتياطات النقدية، بصفتهما مؤسستين ماليتين تابعتين لمجموعة (بريكس). ومن المعروف أن دول (بريكس) لا تخفي عدم ارتياحها لعرقلة واشنطن وحلفائها عملية إصلاح المنظومة المالية والنقدية الدولية.. لذلك قد ينظر إلى إنشاء المؤسستين الجديدتين بوصفهما بديلاً محتملاً للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين تسيطر عليهما الولايات المتحدة وتستخدمهما أدوات لتمرير مصالحها ومصالح حلفائها وحمايتها. ومن المقرر أن يمنح بنك التنمية قروضاً لتمويل المشاريع الطويلة الأمد، وفق شروط تتفق عليها الدول الخمس، يفترض حتماً أن تكون مخالفة ومغايرة لشروط البنك والصندوق الدوليين.. وسيساعد هذا البنك في حل مشكلة (بريكس) في المفاوضات الهادفة إلى إصلاح النظام المالي الدولي. أما صندوق الاحتياطات النقدية، فسيصبح وسيلة (تأمين وأمان) للرد المشترك على التحديات المالية، وسيساعد الاقتصادات الناشئة على مواجهة التقلبات وعدم استقرار الأسواق.. ولا يستبعد زعماء دول (بريكس) إمكانية إنشاء صندوق لدول المجموعة خاص بالاستثمار في البنية التحتية.. كذلك اقترحت روسيا تأسيس (منتدى للطاقة) و(بنك احتياطي للوقود) و(معهد لسياسات الطاقة)، بهدف تعزيز أمن الطاقة للدول الخمس.

إنها طموحات مشروعة وكبيرة، رغم أن الخبراء الروس يرون أن (بريكس) لم تتحول بعد إلى (منظمة حقيقية)، بل هي حتى الآن مجرد (تجمع) لدول لها مصالح ومواقف متشابهة، لاسيما تجاه الهيمنة الأمريكية على العالم.. ولكنهم- أي الخبراء الروس- يؤكدون أن هذه الدول ستتفوق على (السبعة الكبار) في منتصف القرن الحالي، وهي تضع على جدول أعمالها أهدافاً ذات طابع عالمي.

وتعد قرارات (بريكس) بإنشاء مؤسسات مالية مشتركة رداً عملياً على قرار واشنطن بمنع عملية إصلاح صندوق النقد الدولي في العام 2010 وستتمكن دول (بريكس) بعد إنشاء بنك التنمية وصندوق الاحتياطات النقدية، ستتمكن من تنفيذ جزء كبير من مشاريعها الاقتصادية عبر آليات خاصة بها، وليس عبر المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الدول الغربية، وهذا وحده سيكبّد الدول الغربية التي لها مصالح اقتصادية كبيرة في دول (بريكس) خسائر جسيمة وملموسة.

لقد انعقدت قمة (بريكس) في البرازيل وسط تكهنات سياسيين واقتصاديين غربيين بأن هذه المجموعة (هشة) وفي طريقها إلى التعثر والزوال، بسبب تباطؤ نمو اقتصادات بعض دولها في السنوات الأخيرة، حسب زعم أصحاب هذه التكهنات.. ومما يدحض هذه التكهنات أن معدل نمو اقتصادات بعض دول المجموعة يظل أسرع من نظيره في الدول المتقدمة، كما أن الدول الصناعية الغريبة الكبرى تعاني من تراجع وتباطؤ النمو الاقتصادي فيها.. وقد تمثل هيمنة الصين الاقتصادية إحدى المشاكل مستقبلاً داخل (بريكس) حسب التوقعات، إلا أن الحلول لهذه المشاكل ليست صعبة في إطار دول (بريكس) نفسها، كما أفاد خبراء اقتصاديون روس، بحيث يحصل تكامل بين اقتصاداتها.

لقد هيمنت الولايات المتحدة والدول الغربية المتقدمة الحليفة لها على المنظمات المالية العالمية لوقت طويل، بيد أن تأسيس (بريكس) وتطويرها سيساعد على تحول تدريجي في التوازن العالمي من الدول الغربية وبضمنها الولايات المتحدة، إلى الدول الصاعدة، وذالك في إطار تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد، والانتقال إلى عالم التعددية، وهذا ما يعود بالنفع والفائدة على الدول النامية.

العدد 1102 - 03/4/2024