العنف الجنسي في النزاعات المسلحة معاقبة وإذلال للرجال

يقدر عدد من تعرضن للاغتصاب خلال الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك بما بين 20 و50 ألف امرأة، وقد تعرض للاغتصاب والتشويه أكثر من عشرة أضعاف هذا الرقم أثناء النزاع الجاري في جمهورية الكونغو الديمقراطية.وهذه الأرقام الموثقة إنما تدلّ على عالمية العنف الجنسي على النساء أثناء الحروب والمستمر منذ قرون إلى عالمنا الحديث. ويمتد العنف القائم على النوع الاجتماعي في كثير من الأحيان إلى مرحلة ما بعد النزاع، فمن الشائع أن تبدأ موجة جديدة من العنف المنزلي فى أعقاب النزاع، كمحاولة من الرجال للتعامل مع صدمات الحرب التى لم يستطيعوا معالجتها. فعلى سبيل المثال اعترفت أكثر من 80 في المئة من السيدات اللاتى لجأنإلى مركز المساعدة القانونية للنساء في زينيتشا طلباً للمساعدة، بتعرضهن للعنف المنزلي، وذلك بعد خمس سنوات من انتهاء الحرب في البوسنة والهرسك. وكما وصفت إحدى السيدات القاطنات بمدينة موستار: (إن الحرب الأهلية قد توقفت أخيراً، ولكن حل محلها حرب أخرى داخل الأسرة). وهكذا يصبح استخدام العنف أكثر قبولاً اجتماعياً بعد انتهاء الحروب، يساعده فى ذلك توافر الأسلحة الخفيفة، مما يعطى أهمية خاصة لضرورة نزع الأسلحة فى مرحلة ما بعد النزاع.

ويعرّف العنف الجنسي بأنّه أحد أنواع العنف التى تحدث أثناء النزاعات المسلحة والذى يستهدف المرأة بصفة خاصة. وتُستخدم الجيوش الاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي سلاحاً استراتيجياً لمعاقبة الأفراد وبث الخوف، والقضاء على الخصوم وإذلال الرجال، ففي الاغتصاب رسالة إلى الرجال مفادها أنهم غير قادرين على حماية نسائهن.

يستخدم مصطلح (العنف الجنسي) لوصف الأفعال ذات الطابع الجنسي المفروضة بالقوة أو الإكراه، من قبيل ما ينجم عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استعمال السلطة الموجه ضد الضحية رجلاً أو امرأة أو فتى أو فتاة. وكذلك يعد استغلال البيئة القسرية أو عجز الضحية عن إبداء الرضا شكلاً من أشكال الإكراه. ويشمل العنف الجنسي: الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، الدعارة القسرية، الحمل غير الإرادي، التعقيم القسري، أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي ذات الخطورة المماثلة.

وإلى جانب الأضرار البدنية والنفسية الخطيرة للعنف الجنسي والخوف من الحمل غير المرغوب فيه أو الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، فعلى ضحايا العنف الجنسي كذلك محاربة وصمة العار المرتبطة بالاغتصاب. فلا يجرؤ العديد من النساء على التحدث عن ما تعرضن له أو حتى طلب المساعدة خوفاً من أن يتخلى عنهن أزواجهن، أو أن تنبذهن مجتمعاتهم. وعندما تنتهي الحرب، فقد يضطررن في كثير من الأحيان للتعايش مع صدمة رؤية مغتصبيهم يستمتعون بحياتهم كما لو أن شيئاً لم يحدث، بل وأحياناً مقابلتهم وجهاً لوجه في شوارع مدينتهم.

وقد اعتبر الاغتصاب جريمة لأول مرّة في التاريخ وفق القانون الدولي في تشرين الثاني ،1998 وتم الإعلان عن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بشكل دائم، وأصبح من الممكن اعتبار كل من الاغتصاب والدعارة القسرية والاستعباد الجنسي والحمل والتعقيم القسريين جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

ولكن وجود آلية لتحقيق العدالة لا يعني بالضرورة إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، إذ تتكرر حتى الآن حوادث الإفلات من العقاب على جرائم العنف الجنسي خلال النزاعات.

وقد انتشر العنف الجنسي على نطاق واسع في النزاعات المسلحة على مر التاريخ، وكان ينظر إليه غالباً على أنه نتيجة حتمية للحرب، ولا يزال العنف الجنسي ظاهرة مدمرة لها عواقب وخيمة على الضحايا – النساء والرجال والفتيان والفتيات – وكذلك على أسرهم ومجتمعاتهم بأكملها. إضافة إلى ذلك، تمر هذه الانتهاكات دون الإبلاغ عنها في أغلب الأحيان، ويستهان بمدى انتشارها وعواقبها. ولا تزال الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الضحايا المتنوعة غير كافية.

وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعتقد اعتقاداً راسخاً أنه يمكن منع العنف الجنسي في النزاعات المسلحة. وتسعى اللجنة الدولية لضمان تلبية احتياجات الضحايا واتخاذ الخطوات التي تهدف لمنع هذه الجرائم، وذلك من خلال استجابة شاملة تضم المساعدة والحماية والوقاية. وقد التزمت اللجنة الدولية بتحسين استجابتها على مدى السنوات الأربع المقبلة، وذلك بتعزيز نطاق برامجها وتوسيعها وتدعيم قدرتها على معالجة هذه الظاهرة المعقدة والحساسة.

وهنالك بعض الناس أكثر عرضة للعنف الجنسي من غيرهم. وهذا يشمل النازحين داخلياً والمهاجرين والأرامل والنساء المعيلات والمحتجزين والأشخاص المنتمين للقوات أو الجماعات المسلحة، أو أولئك الذين ينتمون إلى مجموعات عرقية معينة.

 ما هي احتياجات ضحايا العنف الجنسي؟

 قبل كل شيء، يجب أن يعامل ضحايا العنف الجنسي معاملة إنسانية، من حيث الحفاظ التام على خصوصياتهم، وعلى أقصى درجات السرية عند تلبية احتياجاتهم. كذلك يجب أن يولى ضمان أمن الضحايا ومنع المزيد من الاعتداءات عليهم أهمية قصوى. وقد يمنع الخوف من الانتقام والاعتداء الضحايا من اتخاذ ما يلزم، وقد يجد الآخرون ممن يبادرون بالتحرك أنفسهم في وضع أمني غير مستقر، مما يجعلهم أكثر عرضة للاعتداء.

إن العنف الجنسي حالة طبية طارئة يحتمل أن تكون عواقبه الصحية والنفسية شديدة على الضحايا. ومن الضروري تمكينهم من الحصول على الرعاية الطبية الجيدة والسريعة دون عوائق في غضون 72 ساعة، للحد من مخاطر الأمراض والعدوى المنقولة جنسياً وفيروس نقص المناعة البشرية، وللحصول على وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ وفقاً للقانون المحلي.

وقد يلجأ الضحايا إلى ممارسات غير آمنة للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه الناتج عن الاغتصاب، مما قد يعرض صحتهم وحياتهم للخطر. ويعد الإجهاض غير الآمن إحدى المشكلات الكبرى التي تهدد الصحة العامة. وكذلك يكون الأطفال المولودون نتيجة الاغتصاب وأمهاتهم في غاية الاستضعاف، وقد يتعرضون لخطر النبذ في مجتمعاتهم بشكل متزايد. كما يتعرض هؤلاء الأطفال لخطر الوأد أو غيره من أشكال العنف.

 ما حكم العنف الجنسي في النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني؟

 يعد الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، إذا ما ارتكبت في سياق نزاع مسلح دولي أو نزاع مسلح غير دولي. وينبغي على جميع أطراف النزاع المسلح أن تلتزم بمنع العنف الجنسي. وتلتزم جميع الدول بمحاكمة مرتكبيه. ويحظر قانون المعاهدات (اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 27) الاغتصاب وأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي، وكذلك البروتوكول الإضافي الأول (المادة 76) والبروتوكول الإضافي الثاني (المادة 4) والقانون العرفي المنطبق في النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية.

 هل يعد العنف الجنسي جريمة حرب؟

 يضع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى ضمن قائمة جرائم الحرب وقائمة الأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية عند ارتكابها كجزء من اعتداء واسع النطاق أو ممنهج ضد أي سكان مدنيين. وقد يشكل الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي المختلفة جرائم دولية أخرى. وقد يعد الاغتصاب مثالاً واضحاً على التعذيب.

 

المصدر- مؤسسة امرأة لأجل امرأة

العدد 1104 - 24/4/2024