الشمس والغربال

ما يحدث في سورية وخارجها للسوريات اللواتي يتاجَر بهن في سوق النخاسة أو يتم تزويجهن قسراً أو بيعهن تحت اسم الزواج أو الخدمة المنزلية أو استخدامهن للضغط على المتقاتلين، ما هو إلا صورة حقيقية للمجتمع السوري وللقوانين التي تدعم تلك الأفعال منذ عقود إلى الآن..

هذه حقيقة وليست جلداً للذات، نعم، في سورية استخدمت النساء للمتاجرة بهن وما الحرب إلا مرحلة لإظهار الحقائق في مجتمع مهزوم، هُزمت فيه المرأة التي استقوى المجتمع الذكوري كلّه عليها ودعمه قانون طالما طالبت العديد من المنظمات والحملات بتعديله أو تغييره.. حقائق: السياحة الجنسية في سورية بدأت منذ زمن طويل، وهي بأشكال متعددة فضحها الإعلام السوري نفسه أكثر من مرّة، عندما تحدّث عن الفتيات القاصرات اللواتي يزوجهن أهلهن لعرب من دول الخليج والأثرياء من أماكن أخرى، لتشكل مصائب متتالية على المرأة والطفل، فقد كانت القرى والضواحي تتهيّأ لاستقبال السياح العرب، بنيّة ضمنية لتزويج بناتهن، فهن ثروة تمكّن الأهالي من تحسين وضعهم المادي (بشرع الله)، ذلك الشرع الذي كان يخترق أيضاً ببعض الليرات! ثمّة قصص كثيرة كانت تحكى عن فتيات رُوّجن لعرب الخليج مقابل مبالغ طائلة لأشهر، ويسافر الزوج تاركاً وراءه المرأة الحامل، وهو يذهب الى غير رجعة وتقع المرأة فريسة الانتظار، ويولد الطفل بلا جنسية، فلا الأم يمكنها إعطاؤه الجنسية السورية ولا يمكنه أن يأخذ جنسية الأب إلا بعد عناء طويل يتعلق أولاً بالاعتراف به، فالزواج غير مسجّل في محاكم الدولة والمشايخ هم من يزوجون ويحكمون.. وفي حالات أخرى تطلّق المرأة ويتم تزويجها قبل انتهاء عدّتها كي لا يهرب العريس الجديد الأكثر ثراءً، وفي حالات كثيرة تسافر المرأة مع زوجها لتعود بعد سنوات أو أشهر، بعد معاناة قاسية في بلد الزوج الذي يتضح فيما بعد أنه أخذها لتعمل خادمة في بلده.. وفي مناطق أخرى كانت تستخدم النساء للعمل في الملاهي الليلية والمناطق السياحية لجلب أعداء أكثر أعداء أكثر من الزوار والسيّاح، لتشكل مصدر رزق أيضاً لعائلتها، بترغيبها وترهيبها..

وكل ذلك معروف وتحت نظر الحكومة التي كانت تتغاضى، لأن (القاضي راضي) والقاضي هو الأب، الأخ، الزوج …الخ والمرأة هي الضحية، وإن عارضت تلاحقها جريمة باسم الشرف بحجج كثيرة..

 كم طالبت الجمعيات النسائية وعدد من وسائل الإعلام وضغطت لتغيير القوانين المجحفة بحق النساء والمتعلقة بآلية الزواج التي تتبع للأحوال الشخصية الشرعية أو الروحية بدلاً من القضاء المدني العادي، ومعاقبة رجال الدين الذين يتاجرون ويسمسرون دون أي رادع قانوني أو ديني أو أخلاقي، وكم طالبت بتشريع قانون خاص بالعنف الأسري يمكّن النساء من المطالبة بحقوقهن بسلاسة ودون ضغط اجتماعي أو مادي، وإزالة القوانين التمييزية التي تجعل النساء أداة ووسيلة بدلاً من أن تأخذ دورها الحقيقي والفعّال..

ما يحدث في سورية وغيرها ما هو إلا كاشف للحقائق وليس منشئاً لها، فالنساء في بلادنا تباع وتشترى منذ زمن طويل، والأخلاق كانت ستاراً لمجتمع يحمل في داخله الكثير، ككل المجتمعات العربية والشرقية، وما علينا إلا إزالة ذلك الغربال فهو لن يخفي نور الشمس..

العدد 1104 - 24/4/2024