السوريات في قلب الأزمة

فرضت علينا هذه الأحداث العيش ضمن ظروف صعبة تحول بيننا وبين أحلامنا التي كنا قد رسمناها في خيالنا، وأعددنا لها الكثير بكل أمل وتفاؤل، لكن مع هذه المصاعب التي تعرضنا لها لم يعد لنا همّ سوى العودة إلى بيوتنا أو على الأقل أن نصنع من الأماكن التي نعيش فيها أماكن تشبه بيوتنا التي كنا نسكنها كي تملأ الابتسامة قلوبنا الحزينة.

لكن يبقى الأمل المحرّك الأساسي في حياتنا، وهنا كثير من القصص الواقعية التي نعايشها ونقترب منها كل يوم، لنلمس قوة الأمل من أشياء صغيرة تحدث كل يوم، فهاهي ذي ندى، فتاة عشرينية أتت إلى الشام مع بداية الأحداث برفقة عائلتها تاركة قلبها في حلب حيث كانت تقيم وخطيبها الذي لم يستطع القدوم معها، لكنها كانت تكلمه كل يوم بالهاتف، بعدما كانت تشعر أنها فقدت كل أحلامها بغيابه عنها، لكن كانت الكلمات القليلة التي يهمس بها في أذنها تشعرها بالكثير من الحب والأمل الذي يسطع وينير مستقبلها، فيشعل قلبها بأمل اللقاء عندما يحكي لها عن زوايا بيتها الذي كانا سيبنيانه معاً، فيتشاركان في الرأي في تصميمه وإعداده تاركين في كل زاوية من زوايا البيت كلمات من ذكريات حبهما معاً، فهذا البيت هو الوعد باللقاء بعد الغياب وهو الأسرة السعيدة والحب والوفاء. هكذا  يعني ل ندى ومن تحب، و هي في كل يوم تَعِدُ نفسها بأن تكون قوية مهما دار بها الزمن، فالقوّة تنبع من الضعف ومن الحب. وهذا حال الكثيرين منا، فكم من مآس مرّت علينا جعلت من قلوبنا أقوى وأشجع على مواجهة الواقع بكل جوانبه، وخاصة نحن النساء، فقد صنعت الأزمة من الفتيات السوريات نساءً أقوى وأصلب من السابق، جعلت منهن فارسات لا يستهان بشجاعتهن في زمن وظرف قاس وصعب، ما يدهش الكثيرين، فهذه الأحداث رغم تأثيرها الكبير في نفوسنا، لكنها لم تمنع الحب فلا يمكن أن تنسى أي واحدة منا قلبها الذي مهما ملأت زواياه رعشات الخوف والحزن يبقى في وسطه شخص ما تنتظر لقاءه أو تحلم بالعودة إليه، فهو الشعلة التي تضيء مستقبلها لتزين حاضرها وتنسيها بعض مآسيها..

هكذا ستظل الحياة رغم كل المصاعب والأحزان، لأنه لا بدّ من قبس من نور يخرج من قلب الظلام حتى نشعر أن الحياة تستحق منا العمل والجد لتحقيق أحلامنا.

العدد 1104 - 24/4/2024