رحيل الفنانة فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية ونجمة القرن العشرين

تعتبر فاتن حمامة علامة بارزة في السينما العربية، فقد عاصرت عقوداً من السينما المصرية، وهي من أبرز الفنانات اللاتي أغنين المسرح والسينما بكثير من الأعمال الفنية  الراقية.

وساهمت مساهمة كبيرة في صياغة صورة جديرة بالاحترام لدور المرأة ولقضايا الجماهير المحرومة.

رحلت فاتن حمامة لينطوي بوفاتها جزء هام من تاريخ الفن الإبداعي. أسعدت المشاهدين بما قدمته شكلاً ومضموناً. وتبقى فاتن من الحالات النادرة بما ملكته من قدرات وطاقات فنية مذهلة جعلتها تحول ما تقدمه من شخصيات درامية في أدوارها إلى شخصيات تنبض بالحياة والإثارة.

وكان وجودها حلماً لأجيال عديدة..

شخصية فنية حافظت على صورتها ومكانتها عبر السنين، ولم تتورط في تفاهات تفسد أعمالها. فقد احتفظت بتاريخها الفني نقياً بعد أن عاصرت تطور السينما والمسرح عبر مراحل طويلة.

كانت قامة فنية كبيرة، فقد نالت في سبعينيات القرن الماضي لقب (سيدة الشاشة العربية). واستطاعت عبر التوجه الفكري الخاص بأفلامها أن تغير من صورة المرأة التقليدية في موجة أفلام السبعينيات في العالم العربي مكرسة بذلك أنماطاً نسائية معينة. كما كانت تهتم بمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولم تتوقف عند حدود مصر وحدها بل تعدتها إلى العالم العربي. وكانت لا تؤمن بفن لا يحمل قيمة فكرية قادرة على التأثير والتغيير.

نموذج مثالي لفنانة قدوة في غاية الموهبة والذكاء والحضور، تمتلك مواصفات خاصة، حظيت بإعجاب الناس وهي طفلة، وهذا ما عبر عنه المخرجون الذين عملوا معها.

بدأت فاتن حمامة مشوارها الفني بعدد من الأدوار الصغيرة في السينما كطفلة. ومن أولى أعمالها كان دورها في فيلم (يوم سعيد) عام 1938 أمام الفنان محمد عبد الوهاب.

ولاحظ الفنان يوسف وهبي آنذاك موهبة الفنانة الناشئة، وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم ملاك الرحمة (1946) وبهذا الفيلم دخلت فاتن مرحلة جديدة في حياتها وهي الميلودراما. وكان عمرها آنذاك 15 سنة فقط، وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين بها.

اشتركت مرة أخرى في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي في فيلم (كرسي الاعتراف) 1949. وفي العام نفسه قامت بدور البطولة في فيلم  (اليتيمتين) و(ست البيت) وحققت هذه الأفلام نجاحاً عالياً.

كانت الخمسينيات من القرن الماضي بداية ماسمي بالعصر الذهبي للسينما المصرية، وكان التوجه العام في ذلك الوقت نحو الواقعية. وخاصة على يد المخرج صلاح أبو سيف. فقامت فاتن بدور البطولة في فيلم (لك يوم يا ظالم) من إخراج صلاح أبو سيف (1951 ـ 1952) الذي اعتبر من أوائل أفلام الواقعية، واشترك هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي.

ولموهبتها التمثيلية الفذة اختارها كبار مخرجي السينما المصرية لأدوار متنوعة. ومن أهم أفلامها ومسلسلاتها دون تسلسل: (صراع في الوادي) (دعاء الكروان)، (إمبراطورية ميم)، (أفواه وأرانب). (أريد حلاً)، و(وجه القمر)، و(ضمير أبلة حكمت). وغيرها الكثير من الأفلام.

مثلت أروع القصص الإنسانية التي أنتجها كتاب وأدباء عمالقة أمثال: ليو تولستوي، مؤلف (أنا كارنينا). التي أصبحت فيلماً عنوانه (نهر الحب)، وعميد الأدب العربي د. طه حسين (دعاء الكروان)، وإحسان عبد القدوس، ود. لطيفة الزيات، ويوسف إدريس في فيلم (الحرام) الذي أخرجه بركات عام 1965.

وتعتبر فاتن حمامة واحدة من أكبر صناع الدراما المصرية منذ الطفولة حتى الكهولة.

 

لمحات من أفلام فاتن حمامة

ـ (أريد حلاً): قدم الفيلم نقداً لاذعاً لقوانين الأحوال الشخصية في مصر والبلدان العربية في مسألتي الزواج والطلاق. إنتاج عام ،1975 وبطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة، ويعد هذا الفيلم علامة بارزة في مشوار الفنانة الراحلة فاتن حمامة. تدور قصة الفيلم حول (درية) البطلة (تقوم بدورها فاتن) التي تتحمل قساوة الحياة بأبشع مظاهرها، مع زوجها الديبلوماسي مدحت الذي يقوم بدوره رشدي أباظة. في هذه الحالة تطلب الزوجة الطلاق. ولكن الزوج يرفض ذلك  رفضاً قاطعاً ويستمر في ممارسة أبشع العذابات مع زوجته، مما اضطرها للجوء إلى المحاكم الشرعية لرفع دعوى طلاق بعد أن استنفذت كل إمكانات التفاهم. ودرية الزوجة تعمل مترجمة في إحدى الصحف الأجنبية. بعد رفع الدعوى تدخل درية متاهات المحاكم، وتتعرض لسلسلة من المشكلات والعقبات والتهديدات التي تهدر كرامتها..

في خضم هذه المشكلات ينمو الحب والتعاطف بينها وبين رؤوف صديق أخيها.. تتعقد الأمور أكثر عندما يأتي الزوج بشهود زور يشهدون ضدها في جلسة سرية. وتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات. حقق هذا الفيلم نجاحاً كبيراً، وكذلك نجح بعد تحويله إلى مسلسل تلفزيوني.

ـ (الباب المفتوح) لهنري بركات. نالت عنه فاتن جائزة أحسن ممثلة في مهرجان جاكارتا السينمائي.

تدور الأحداث حول ليلى (فاتن حمامة) التي تعيش في أسرة متوسطة، وتحاول أن تثور وتشارك في المظاهرات الوطنية، لكن والدها يكبحها بعنف.

تقع في حب ابن خالها وسرعان ما تكتشف أنه لا يختلف عن أبيها كثيراً.. فتتركه وتفقد ثقتها في المجتمع. وتقابل فيما بعد صديق أخيها الثوري والمنفتح فتعجب به، لكن تعقد الأحداث السياسية والاجتماعية تجعل ليلى تبدأ رحلتها من أجل إيجاد ذاتها بعيداً عن أفكار المجتمع المناقضة لما تؤمن به.

– (أفواه وأرانب): إنتاج هنري بركات عام 1977 تمثيل فاتن حمامة ومحمود ياسين. فاز بجائزة مهرجان طهران ،1977

يعالج الفيلم قضية الفقر والغنى وعدم التخطيط الأسري، فالفتاة نعمة (فاتن حمامة) تعيش مع شقيقتها الكبرى وأسرتها المكونة من زوجها عبد المجيد وأولادهم التسعة، عبد المجيد رجل سكير يعمل في سكة الحديد، مهمل لأسرته التي تعاني من إهمال الأبوين، وضعف تحملهما المسؤولية بصورة صحيحة، وللخلاص من وضعهم المزري يرى عبد المجيد وزوجته أن تقبل نعمة من زواج المعلم البطاوي، ترفضه نعمة وتهرب إلى المنصورة، في هذه الأثناء يعقد البطاوي الزواج بها بأوراق مزورة قدمها عبد المجيد، تجد نعمة عملاً في المنصورة في مزرعة محمود بيه الذي سرعان ما يكتشف مهارتها وحسن تصرفها، فيقربها منه حتى يقع في حبها خصوصاً بعد انفصاله عن خطيبته. وتعارض شقيقته الزواج من نعمة، ولكنه لم يكن مهتماً بالفوارق الاجتماعية والثقافية، وتعود نعمة لتخبر أختها بنية محمود الزواج منها، لتكتشف ما حصل بعد هروبها. ولكن حين يحضر محمود بيه تتفاقم المشكلة لتنتهي بطعن البطاوي، ويعترف عبد المجيد بغلطته فتعود نعمة إلى محمود، الذي يتولى رعاية أسرتها.

– (لك يوم يا ظالم):

إخراج صلاح أبو سيف، تمثيل فاتن حمامة، محمود المليجي. عام 1956.

تدور الأحداث حول زوجة شابة وزوجها المريض، يحاول صديق الزوج الإيقاع بالزوجة المحرومة، فيقتل زوجها ومن ثم يتقدم للزواج منها.

تعرضت فاتن حمامة لضغوط سياسية وأمنية كثيرة، فغادرت مصر إلى لبنان ولندن. وقد طلب عبد الناصر في حينه من بعض النقاد والفنانين الكبار إقناعها بالعودة إلى مصر باعتبارها ثروة وطنية، وكان قد منحها وساماً في الستينيات.

عادت فاتن إلى مصر عام 1971 وقامت ببطولة فيلم (الخيط الرفيع) إخراج بركات، قامت فيه بدور الأم التي تتحمل مسؤولية العائلة.

وفي عام 1999 تسلمت شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في القاهرة.

وفي عام 2000 منحت جائزة (نجمة القرن) من منظمة الكتاب والنقاد المصريين، كما منحت وسام الأرز اللبناني ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001.

 صاحب عودتها للعمل الفني بعد غياب طويل ضجة إعلامية، إذ شاركت في عام 2000 في المسلسل التلفزيوني (وجه القمر) الذي عرض على 24 قناة فضائية ومحطة تلفزيونية عربية، والذي انتقدت فيه العديد من السلبيات في المجتمع المصري من خلال تجسيدها شخصية مذيعة كبيرة في التلفزيون.

ويعكس المسلسل التعاطف الكبير مع الانتفاضة الفلسطينية عبر نقل أبطال المسلسل للأحداث على أرض فلسطين إلى شاشات التلفزيون خصوصاً عبر تعليقات المذيعة (فاتن) حول الانتفاضة وتجارة السلاح وغيره، وكان سبق الضجة الإعلامية إقامة مؤلفة العمل ماجدة خيرالله دعوى قضائية ضد الشركة المنتجة للمسلسل. بدعوى  أن المسلسل أصابه التشويه من كثرة الخوف والإضافة في النص من قبل بطلته التي – حسب المؤلفة – كانت تتدخل في عمل المخرج وفي عملية المونتاج، ولكن برغم هذه الضجة فقد حقق المسلسل نجاحاً منقطع النظير.

وبمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على السينما، اختيرت فاتن حمامة أفضل ممثلة، واختير 18 فيلماً من أفلامها من أحسن ما أنتجته السينما المصرية. أفلام تجمع بين القيمة الفنية والفكرية والإنسانية دون أن تجاري الموجة التجارية بأدوار مبتذلة في أية مرحلة من مراحل حياتها. وبذلك حققت فاتن حمامة لنفسها المعادلة الصعبة بين رضا النقاد والجمهور، ورقيّ مستوى أدائها واحترامها.

العدد 1102 - 03/4/2024