كتاب «دوائر الخوف»… قراءة في خطاب المرأة

كان نصر حامد أبو زيد يمثل فكراً تنويرياً منهجياً يستند إلى قاعدة علمية وفكرية وإيمانية صلبة.

دافع عما يؤمن به خاصة مبدأ إثارة التساؤل. وكان يرى أن خير الحوار ما كان جماعياً، وطرق البحث والتحليل هي المطلوبة دائماً.

في كتابه (دوائر الخوف)، فصل (حقوق المرأة في الإسلام)، يقول: (لقضية حقوق المرأة أبعادها الاجتماعية والثقافية والفكرية داخل كل بنية اجتماعية، كما أن لها أبعاداً ذات طبيعة إنسانية تتجاوز حدود البنية المجتمعية الخاصة. يضاف إلى هذا التشابك والتعقد الذي له بعد خاص في مجتمعاتنا العربية الإسلامية هو بعد (الدين) الذي ما زال يمثل مرجعية شرعية وقانونية مستمدة من مرجعيته الأخلاقية والروحية). ومنذ بداية ما يسمى عصر النهضة العربي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقضية تعليم المرأة (أولاً) ثم تحريرها من التقاليد البالية الراكدة التي تعوق حركة المجتمع بأسره (ثانياً) تحتل أولية في سلم المهام النهضوية العاجلة، موضحاً البعد المفقود للمرأة في الخطاب الديني الذي يعالجه النص القرآني بمعزل عن سياق الواقع الاجتماعي العام، فيجري الحديث عن المرأة بوصفها أنثى ونداً للرجل، مركزاً على الفروق العقلية والذهنية والعصبية.

حواء بين الدين والأسطورة

سعى أبو زيد للبحث في النص القرآني وفق مفهوم أن الإسلام أجاز الاجتهاد، فقدم هذا الاجتهاد فهماً للقرآن وتعاليم النبي لاستيعاب أهم قضايا المجتمع أي المرأة. وهو يرى أن الاجتهاد كان خاضعاً دائماً لظروف تاريخية، فالنص القرآني محكوم بعصره، والتفسير ارتبط بحاجات كل عصر وثقافته واستند إلى الموروث الثقافي والاجتماعي، بينما يصرّ المتزمتون والظلاميون على مناقشة قضية المرأة من خلال مرجعية النصوص، في تجاهل تام لاعتبارها قضية اجتماعية. فيستخدمون نصوصاً استثنائية بوصفها نصوصاً ذات دلالة تاريخية مباشرة، ولا يعاد تأويلها إلا في ضوء النصوص التي تعد الأساس في قضية المرأة، حسب رأيهم.

ويظهر تاريخ اللغة في كتاب (دوائر الخوف) أنه تاريخ الجماعة، وفي اللغة العربية جاء الخطاب القرآني ضمن لغة خاطب النساء بالطريقة التي خاطب بها الرجل، وهذا تعبير عن وعي جديد دخل فيه الخطاب في حالة صراع مع الوعي. وبقدر ما كانت كفة الميزان تميل نحو الوعي كان وضع المرأة يتنامى بينما كان يتدهور في مرحلة الانحطاط، فيتم استدعاء قصة حواء بقراءتها التوراتية، ويتم إعلان النساء ناقصات عقل ودين (وكيدهن عظيم). وهذه الوضعية التاريخية انعكست سلباً على المرأة. ونرى التمييز في جذور بنية اللغة العربية التي جعلت من الاسم العربي المؤنث مواد تحرّض على التفريق بين الاسم العربي والأعجمي بوساطة علامة التنوين. كما أن وجود رجل واحد في مجتمع من النساء يفرض الإشارة إلى المجموع بصيغة جمع المذكر، بينما اللغات الأجنبية الأخرى حاولت إلغاء التمييز بين الأسماء المذكرة والمؤنثة.

المرأة في خطاب النهضة والخطاب الطائفي

يرى أبو زيد أن الخطاب مشدود إلى بعدين، البعد الأول وطأة التطور، من خلال الاحتكاك بالمجتمعات الأوربية المتطورة، والاختلاط وما أحدثه من تأثير على أوضاع المرأة العربية.

والبعد الثاني هو بعد التقاليد والتراث المتمثل في مبادئ الإسلام وتشريعاته.

نجد أن خطاب النهضة قد أدرك قوانين الاجتماع البشري، كما أسّسها ابن خلدون. أول مبادئ هذه القوانين اعتماد المصلحة وتحقيقها أساساً. وثاني تلك المبادئ أن المغلوب يقلد الغالب دائماً في سلوكه وزيّه وشارته. والمبدأ الثالث وهو الأهم قد يأتي التغيير ببعض المفاسد، ولكن هذا يجب ألا تجعلنا نقاوم التغيير حتى لا نحرم من الإيجابيات.

ويلاحظ أبو زيد أن خطاب النهضة يعارض مبدأً هاماً من مبادئ الخطاب الديني القديم والحديث على السواء، وهو المبدأ الذي صاغه بعض الفقهاء وفحواه أن (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). والحل الذي يطرحه خطاب النهضة علاجاً للآثار الجانبية للتقدم (الفساد) هو التربية والتعليم اللذان من شأنهما حماية المرأة بل والرجل كذلك من تلك الآثار.

لم يكن ممكناً لخطاب النهضة أن يناقش مسألة مرجعية الشريعة خاصة وقد تأسست بنيته على أساس (عدم التعارض). ومن هنا يتقدم قاسم أمين ليقرر أن تدني وضع المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية وما فرض عليها من حجاب وقيود لا يجد تفسيره في الإسلام، وإنما في حالة (التخلف) التي تعيشها تلك المجتمعات. ويرى قاسم أمين حاجة العقل في فهمه للدين إلى مبادئ العلم والمدنية.

ويتناول أحد فصول كتاب (دوائر الخوف) تخوفاً من الغرب الأجنبي ومن الديمقراطية وحرية الفكر التي تناولها في سبعة فصول، موضحاً أن قضية المرأة في خطابها ليست قضية جنس مذكر أو مؤنث ولا قضية تخلّف اجتماعي أو انحطاط فكري، وليست مجرد قضية دينية، بل هي إضافة إلى كل ذلك أزمة السلطة السياسية في علاقتها بالناس منذ فجر التاريخ العربي.

العدد 1102 - 03/4/2024