اللقطاء.. اعتراف ناقصً واندماج مستحيل

إن هذا طفل جاء إلى الحياة بخطأ لا ذنب له فيه، كبر ليجد نفسه في مجتمع يحاسبه بقوة على جريمة كان هو ضحيتها، عاش لقيطاً مجهول النسب، يحاول جاهداً محو وصمة العار، لأنه لقيط….

 في البدء لابد من توضيح مفهوم اللقيط:

اللقيط هو المولود الذي قد يكون مولوداً من زواج لم يتم تثبيته أو وُلد نتيجة تعرض والدته لاغتصاب، أو أحياناً يتم رمي المولود لأسباب مختلفة.

أما من الزاوية القانونية فإننا نجد أنه قد جاء في المرسوم التشريعي رقم 107 لعام 1970 ما يلي: (على كلِّ مَن يعثر على لقيط أن يسلِّمه إلى أقرب مخفر للشرطة مع الملابس التي كانت عليه وجميع الأشياء الأخرى التي وجدها معه أو بالقرب منه، وعلى رئيس مخفر الشرطة أن ينظِّم بذلك ضبطاً يذكر فيه الزمان والمكان والظرف التي وجد فيها الطفل، كما يبيِّن فيه العمر التقديري للطفل والعلامات الفارقة والجنس، وكذلك اسم الشخص الذي عثر عليه وكنيته ومهنته وعمره ومحل إقامته وعنوانه، كما يشار إلى أنه لم يعثر على والديه). ونصت المادة 479 من قانون العقوبات السوري على معاقبة كل من أودع ولداً مأوى للقطاء وكتم هويته حال كونه مقيداً في سجلات النفوس ولداً شرعياً أو غير شرعي معترفاً به بالحبس من شهرين إلى سنتين.

بما أن مسألة النسب من حقوق الإنسان الأساسية الملازمة له منذ ولادته، وتبعاً لذلك نرى أن الحقوق القانونية التي يحصل عليها اللقيط، وفق القانون السوري هي أنه يعدُّ عربياً سورياً، ومسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك، وقد منح المشرع بذلك اللقيط الجنسية العربية السورية، ومنحه الدين، إضافة إلى منحه الاسم واللقب، ويعد ذلك من اختصاص أمين السجل المدني. ولابد من التنبيه إلى أن هذا الحق المشروع بمنح اللقيط كنية واسم أم واسم أب لم يبدأ العمل بها في السجلّ المدني إلا في الشهر السادس من عام 2009 فقد استطاع هؤلاء الأطفال الحصول على الهوية السورية من دون أيِّ إشارة إلى أنهم مجهولو النسب أو لقطاء.. أما سابقاً، فكان يكتب على هويتهم الشخصية مجهول النسب أو منتحل أمام خانتي اسم الأب والأم، وَهنا المشكلة تكمن في الأشخاص الذين حصلوا على هوياتهم قبل هذا التاريخ، فهم مازالوا إلى اليوم يحملون هويات تعلن أنهم مجهولو نسب، دون أن يكون في إمكانهم تغيير هذا الواقع، ومن المفترض أن يكون قرار إزالة كلّ العلامات التي تدلُّ على أنَّ حامل الهوية لقيط، معمَّماً على كلِّ اللقطاء، وأن يستطيع من حصل على هوية سابقاً تغيير هذه الهوية بما يتوافق مع ما سمح به القرار، لأنَّ هذا حقٌّ لهم. وأيضاً، وبكل أسف، لا يوجد نظام قانوني حتى تاريخنا الحالي يسمح للمرأة بأن تسجِّل ابنها إذا لم يعترف به والده، وهذا ما يدفع بعض الأمهات إلى رمي أطفالهن، لعدم قدرتهن على تسجيل الطفل أو إدخاله المدرسة أو أي شيء آخر.ولابد للقانون السوري بعد أن تقع واقعة الولادة اتخاذ الكثير من الإجراءات والتعديل لمصلحة الطفل، فتسجيل الطفل لاسم أمه لا ضير فيه وبذلك تكون كلُّ الإجراءات تخدم مصلحة هذا الطفل، ولا تكون ضدّه وتكون متماشية مع المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل التي نصت على الحماية القانونية لهؤلاء الأطفال منذ الولادة حتى بلوغ سن الرشد، فقد جاء فيها الآتي:

 (يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما).

وقد حرصت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على تطبيقها توافقاً مع الاتفاقيات الدولية بتأمين دور لرعايتهم. إضافة إلى تعليمهم وتربيتهم ورعايتهم الصحية والاجتماعية وسائر أمور العناية بشخصهم وذلك حتى الثامنة عشرة تماماً بالرغم من بعض المعضلات القانونية.

وهنا يبقى السؤال: ما مصير الحياة الاجتماعية لهؤلاء الأطفال بعد الثامنة عشرة أو بعد خروجهم من الدار؟

 حقيقة تبدأ هنا معاناة هذه الشريحة في المجتمع ويلزم الكثير من التفكير في الأمور في الحياة الحقيقية، فإيجاد مسكن أو تأمين فرصة عمل أو حتى الزواج بالنسبة لفتاة وسط شارع مجهول ، ومحاولة اللجوء إلى هذا أو ذاك وصعوبة تقبلهم بين مؤسسات العمل الفردي وبقائهم تحت ظرف ومزاجية أفراد لهم نظرة مختلفة عنهم،كل ذلك وغيره هو أمر شبه معقد أو مستحيل.ومن استطاع إلى الحياة منهم سبيلاً يعد ناجياً.

وهكذا تبدأ بالزوال تدريجياً لحظات السعادة بالاستقلالية ويظهر القصور القانوني وضعف المنهجبة الواضحة والعلمية بالطرق والسبل الممكنة لمساعدتهم، فالشاب يخرج بلا مسكن أو حتى عمل على الرغم من الإمكانية بإلزام مؤسسات وشركات الدولة بتأمين عمل جاد ومناسب لهم بعيداً عن مزاجية أصحاب الأعمال الفردية في المجتمع. وحتى بالإمكان أيضاً تأمين مساكن لهم وفق برنامج ما للحفاظ على التبرعات التي يملكها كل واحد منهم خلال فترة إقامته بالدار من خلال تشغيلها وتشغيلهم بأمور تناسب إمكانيتهم المحدودة، لأنها من حق هذا الطفل مستقبلاً، فهو إنسان وسوري الجنسية، ويجب احترام كرامته بوصفه إنساناً ومواطناً طبيعياً وفعلياً في المجتمع له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات.

العدد 1104 - 24/4/2024