الأدب.. وظيفته ومهامه

 

يستمد الأدب وظيفته من طبيعته، فهو أحد أشكال الوعي الاجتماعي للواقع، والواقع شديد التعقيد والتراتب، ومعرفته تحتاج إلى حفريات تستند إلى أنواع مختلفة من المعارف، التاريخ، علم الاجتماع، الفلسفة، وعلوم الإناسة، العادات والتقاليد.. والأديان، إلخ، باختصار إلى ثقافة شمولية مؤسسة على حوارية المعارف.

إدراك الواقع،  لا يتوفر إلا لمن خبر الحياة وامتلك حساسية وقدرة على التمييز، وإحساساً مرهفاً بالظواهر الكبيرة منها والصغيرة، هذه الخبرة تتوفر بأقصى حدودها لدى الأدباء، وهم منتجو الأدب ومهندسو النفس البشرية، بما يملكون من قدرة على التأثير.

 إذا كانت نظرية الانعكاس في عملية المعرفة صحيحة بشكلها العام، فهي قاصرة عن تفسير الظواهر الأدبية، فلا يكفي أن تقول إن وظيفة الأدب عكس الواقع الموضوعي، لأن هذا الواقع (معكوس) في لا وعي الكاتب، والأدب عملية تخييلية قصدية واعية، لا تتم إلا بعد تخمرها واختزانها في الذات العاكسة وهي ذات الكاتب الإبداعية، فيخرج الناتج (الأدب) متلوناً بتلاوين الذات المبدعة بوصفها مشكلاً تاريخياً اجتماعياً ثقافياً…

الأدب تمثيل لأهم قوانين الواقع (الحياة)، فالأديب يكتشف ويسبر ويغربل، ويصطفي ويختار بوعي كامل، ما يراه ضرورياً، ثم يقوم بإبراز القيّم تاريخياً في الواقع، ويصير إلى تعميم الظواهر بالتقاط الجواهر فيها وعرضها بشكل فني.

معرفة الواقع هذه هي الشرط الأول لكل إبداع، لا يمكن إنجازها بالتناول السطحي للظواهر، فالخوض في أعماقها وحده هو الذي يمكّن الأديب من معرفة محرّك الظاهرة، والنظرة التاريخية هي القادرة على متابعة تجليات الظاهرة، والكيفيات التي اتخذتها إلى أن تجلت كما هي عليه في الواقع، والواقع مركب من الماضي والحاضر، وهو أساس بناء المستقبل، والأدب مدعوّ لامتلاك الماضي، وإدراك الحاضر، ورسم حدود المستقبل.

ثمة من يقول: في الأزمات الانعطافية الحادة والمواجهات العنيفة (صوت الرصاص) يتراجع دور الأدب، وتتحدد وظيفته بالتحريض والتعبئة وشحذ الهمم.

هذا صحيح، والأصح أن وظيفة الأدب تبقى توفير المتعة للمتلقي، وأعلى أشكالها المتعة الجمالية. ولكن المهام تتغير، حسب الوقائع.

وظيف الأدب الارتقاء بالإنسان، والعمل على بنائه بشكل متناسق يحقق أكبر قدر من إنسانيته المهدورة، كما يسعى إلى تربية الإنسان على حب المثل العليا كالحق والخير والفضيلة والجمال.

إلحاح الراهن على الأدب، لا يحرفه عن غايته الكبرى ووظيفته الأساسية: المتعة والفائدة، ومنهما تتفرع المهام الأخرى المرتهنة لمتغيرات الواقع المتبدل باستمرار.

مهمة الأدب جزء من وظيفته، المنبثقة عن طبيعته كحامل للمعرفة، وباعث على البهجة والغبطة في النفوس، تتعاظم هذه المهمة في الأزمات والمواجهات الكبرى فتصبح خير محفّز للإنسان على مواجهة المصاعب والتغلب عليها، بتقوية معنوياته ورفع منسوب الثقة لديه بإمكاناته التي لو استُجمعت، وتوفّر لها الوعي والإرادة، لاستطاع أن يجترح المعجزات على طريق تحقيق إنسانيته المهدورة في عالم السلعة والتسويق وتشويه البشر عن طريق نشر الوعي الزائف، ونشر أنصاف الحقائق، وتشويه ذائقة المتلقين، بنشر الإنتاج الأدبي المتدني.

الأدب من أهم الأسلحة في المواجهات، فهو الذي يساهم في تكوين إنسان مؤمن بوطنه وبحقوقه وقدراته، وهو من أهم العوامل المساعدة على تطوير النفس البشرية وتعميق وعيها، وتأصيل وتجذير إنسانيتها المستلبة. 

العدد 1104 - 24/4/2024