جنيف 2 كما يريده السوريون.. وقف النزيف ولجم الإرهاب واحترام خيارات الشعب

سقطت أوهام الجالسين في أحضان الأمريكيين وأمراء النفط، فادعاء تمثيل إرادة الجماهير السورية، وتكريس جنيف 2 لاعتلاء الكراسي، فضحا (ديمقراطية) الخليط الذي توهم أن السوريين سيسلمون مفاتيح ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم لمن تلوث ماضيه بالعمالة، وحاضره بالدماء، ولا مستقبل له. وأدرك المجتمع الدولي بأسره أن أي حل لأزمة الشعب السوري لن يمر عبر جلسات بروتوكولية تسلّم فيها سورية وشعبها إلى فئات إقصائية ظلامية، تجهض نضالات جماهير الشعب السوري من أجل سورية الديمقراطية.. التعددية.. العلمانية.. المعادية للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية.. والرجعية السوداء.

عندما تُختزل آمال الجماهير السورية بطموحات الحالمين بالسلطة والمناصب والمكاسب، وحين يتماهى مشروع أصحاب الفكر السلفي الإقصائي مع مشاريع قلاع (الديمقراطية) المصدرة على ظهور البوارج الحربية وصواريخ (الكروز)، عندئذ لن يخرج السوريون من النفق الأسود، بل ستتحول طموحاتهم ومستقبل بلادهم إلى حلم بعيد المنال.

جنيف 2 ليس نهاية المطاف، بل شارة الانطلاق، خط البداية لمرحلة قد تحتاج إلى تضحيات أكبر، لكن دون بنادق، وأحقاد، و(جهاديين).. فبناء غد الشعب السوري الديمقراطي.. العلماني، لن يتم بعصا سحرية، بل على مدى مرحلة زمنية يرتبط طولها بمدى تفهّم الجميع بأن لصبر المواطنين حدوداً، وأن تحقيق مصالح الكتلة الشعبية الكبرى هو الفيصل في اختيار السوريين لنظامهم التمثيلي، وقادتهم السياسيين.

الجهود الدولية تسعى لتذليل صعوبات عقد جنيف ،2 المتمثلة في محاولة (ائتلاف) إسطنبول فرض الشروط، وإصرار السعوديين على المضي في دعم (القاعديين) الذين لا يعترفون بأي مسعى لحل الأزمة السورية.. وقد يثمر الضغط الأمريكي والأوربي خلال أيام عن (إجبار) الممانعين للحل السياسي، على الرضوخ للإرادة الدولية، لكن من يضمن ألا يلجأ هؤلاء أو غيرهم، إلى وضع عراقيل جديدة وشروط تعجيزية أخرى قد تفجّر جميع المساعي السلمية؟!

روسيا استبقت جنيف 2 بمحاولة لتوحيد موقف المعارضة الوطنية قبل عقده، بعد أن أكدت أن (الائتلافيين) لا يمثلون جميع أطياف المعارضة.. وهو تأكيد يعرفه الجميع، ففي سورية معارضة وطنية رفضت التفتيت الطائفي، والتدخل الأجنبي، وتقف مع الحل السلمي لأزمة البلاد.

والأمريكيون يضغطون لتحييد بندر بن سلطان عن الملف السوري في المرحلة الحالية، بعد أن أحرجهم، بنزعته العدائية (الشخصانية) تجاه سورية وشعبها، وإصراره على المضي في دعم الإرهاب الدموي ومساندته، ومحاولته تشكيل (جيش محمد)، بتمويل سعودي وتدريب باكستاني، ليحل محل الكتائب الإقصائية (المتفرقة) المتقاتلة على المليارات الآتية من أمراء النفط، والغنائم المسروقة من ممتلكات الشعب السوري. والأوربيون يضعون (بلوكات) أمام مواطنيهم (الجهاديين) العائدين من سورية، وراحوا يعيدون النظر بالفرضيات الأمريكية والفرنسية، ويحاولون تصحيح مواقفهم تجاه سورية وشعبها بطرق مباشرة، أوعبر وسطاء.

صحيح أن »الائتلاف« أعلن مؤخراً موافقته على حضور جنيف ،2 لكن بعض رموزه وضع شروطاً، ونحن نعتقد أن هذه الموافقة لا تعني شيئاً إذا لم ترتبط بسلوك جدي داخل قاعة المؤتمر يعبّر عن رفض واضح للارهاب، وللتدخل الاجنبي، واحترام خيارات الشعب السوري.

إن جماهير الشعب السوري ترى جنيف 2 مدخلاً لإنهاء أزمتهم، لكنهم، بعد الثمن الغالي الذي دفعوه ويدفعونهم من دمائهم واستقرارهم وأمنهم ومعاناتهم المعيشية، لن يتنازلوا عن خياراتهم المتمثلة في التغيير السلمي باتجاه الديمقراطية والعلمانية، عبر توافق قواهم السياسية والاجتماعية والدينية.

جنيف 2 على الأبواب، ووضع السبل لإنهاء النزيف ولجم الإرهاب واحترام خيارات الشعب السوري، أهم ما ينتظره السوريون من المؤتمر العتيد.

العدد 1140 - 22/01/2025