مناضلات عربيات رائدات… في الذكرى السبعين لتأسيس الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي 1945-2015… المناضلة فاطمة إبراهيم.. إيمان مطلق بالشعب
ولدت فاطمة إبراهيم في مدينة الخرطوم عام 1932 في عائلة وطنية سودانية مثقفة ومتدينة، قريبة من الحزب الشيوعي السوداني.
تلقت دراستها الابتدائية والثانوية في مدارس حكومية بمدينة بودموني وأم درمان وفي مدرسة الإرسالية الإنكليزية التي تؤهل الطالبات للدخول إلى جامعة الخرطوم. ودون مقدمات قررت الناظرة البريطانية حذف كل المقررات العلمية من المنهاج المقرر، الأمر الذي يحرم الطالبات من دخول كلية الطب والكليات العلمية الأخرى بجامعة الخرطوم.
ووضعت للطالبات بدلاً منها مادتي التدبير المنزلي والخياطة، مبررة ذلك أن الطالبات السودانيات غير مؤهلات ذهنياً لدراسة المواد العلمية، ومهمة المدرسة أن تؤهلهن ربات بيوت وأمهات صالحات.
وكان هذا القرار ظالماً وجائراً، جرى الاحتجاج عليه بقوة، من فاطمة ورفيقاتها، وأعلنّ إضراباً عاماً شمل مختلف مدارس البنات في الخرطوم. وكان أول إضراب نسائي في السودان، إذ فصلت الدفعة الأولى من الطالبات المرشحات للدخول إلى الجامعة.
واستمر الإضراب وتصاعد ودعمه بقوة جماهيرية من الحزب الشيوعي والقوى الوطنية الأخرى، إلى أن حصل التراجع عن القرار، إذ تقدمن للامتحان وقبلن في الجامعة، ومن الغرابة أن أولياء الطالبات رفضوا السماح لبناتهن بدخول الجامعة منعاً للاختلاط الذي (يفسد الطالبات) حسب زعمهم، وكانت فاطمة إحداهن.
اهتمت فاطمة بنشاط الحزب ومبادئه واهتمامه بمساواة المرأة بالرجل، ونضاله ضد الاستعمار، واهتمامه بالفقراء والمضطهدين، وهكذا دخلت الميدان السياسي الأوسع لحركة نسائية جماهيرية في السودان.
انتسب الاتحاد النسائي السوداني برئاسة فاطمة إبراهيم إلى الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي عام 1953 وهو أكبر تنظيم نسائي ديمقراطي عالمي وله صفة استشارية في الأمم المتحدة، ولعبت فاطمة دوراً هاماً في المؤتمرات الإقليمية والدولية التي عقدها الاتحاد من أجل دعم قضية بلادها وشعوب العالم من أجل الاستقلال والحرية والتقدم الاجتماعي وخصوصاً قضية المرأة.
وأصبحت فاطمة من أبرز الساسة السودانيين. صار اسمها رمزاً لنضال المرأة السودانية من أجل الاستقلال وضد حكومات القمع العسكرية. وقد واجهت منذ بداية نضالها صعوبات كبيرة مع تكوين الاتحاد النسائي السوداني في ظروف صعبة عام 1952 الذي تحول إلى حركة واسعة النطاق تطالب بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية. ترأست منذ صدور العدد الأول في تموز عام 1955 تحرير (صوت المرأة). التي ساهمت في رفع وعي النساء ومساعدتهن على الانخراط في النضال من خلال تناولها لأهم الموضوعات المرتبطة بالمرأة وأهمية المساواة في الحقوق ومواقع اتخاذ القرار كما كانت منبراً فكرياً معادياً للحكم العسكري مما عرّض المجلة للتعطيل أكثر من مرة.
وفي قيادة الاتحاد النسائي لعبت دوراً هاماً في النضال ضد حكم الفريق عبود العسكري 1958 -،1964 وفي ثورة أكتوبر 1964 حصلت المرأة السودانية على حق الانتخاب والترشيح للمجلس النيابي، وفي عام 1965 انتخبت فاطمة إبراهيم أول نائبة في البرلمان السوداني وأول نائبة عربية في الشرق الأوسط، وقد حققت من خلال موقعها الكثير من المطالب لتحسين أوضاع النساء، وتضمنها: الدستور السوداني عام 1968 منها:
1 حق المشاركة في كل مجالات العمل: وبضمنها القضاء والقوات المسلحة، وجهاز الشرطة..
2 الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي، والمساواة في فرص التأهيل والتدريب والترقي.
3 إجازة الأمومة المدفوعة الأجر إضافة إلى تحديد سن الزواج بعد البلوغ ومنع الزواج الإجباري، وتعدد الزوجات، وإلغاء قانون بيت الطاعة وغيرها من القضايا التي تهم المرأة.
وأصبحت من أشهر الناشطات في مجال حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة.
عملت في مجال التعليم في المدارس الأهلية بعد أن رفضت مدارس الحكومة تعيينها، اشتركت في تكوين هيئة نساء السودان إبان الحكم العسكري عام ،1962 وكانت عضواً في اللجنة الأولى للهيئة التي أنشأتها ورفيقاتها.
ولعبت دوراً هاماً في جبهة المهمات السرية والعلنية.
تزوجت فاطمة إبراهيم وهي نائبة في البرلمان السوداني عام 1966 الشفيع أحمد (أحد أبرز قيادات الحزب الشيوعي السوداني ورئيس اتحاد عمال السودان، ونائب رئيس الاتحاد العالمي لنقابات العمال).
انقلاب جعفر النميري العسكري عام 1969 على ثورة أكتوبر أدى إلى حل الأحزاب وتعطيل الدستور، وإقامة حكم عسكري مطلق أطاح بكل ما حققه الشعب السوداني من إنجازات، واجه الحزب الشيوعي وكل الديمقراطيين والوطنيين بقوة ما آلت إليه البلاد في حين كان الحزب الشيوعي السوداني القوة الدافعة لثورة أكتوبر بضباطه يتصدرون واجهة الثورة وجمهوره يحميها في الشارع. والمفجع أن الحركة التي قادها الحزب الشيوعي للتغيير انتهت بمعظم قادته إلى الإعدام وبينهم الشفيع أحمد. بينما فرض على الآخرين من قادة الحزب العيش تحت الأرض، لفترة طويلة، فلم يظهر الأمين العام السابق إبراهيم نُقد إلا قبل سنوات معدودة من وفاته عام ،2012 بينما فرض على فاطمة الإقامة القسرية لمدة عامين ونصف وكان معها طفلها الصغير أحمد، فلم تتوقف خلالها عن النضال بأساليب مختلفة برغم التهديدات والمواجهة بالسجن المؤبد. استطاعت بعد ذلك مغادرة البلاد لتعيش في المنفى تواصل نشاطها من هناك.
تلقت فاطمة إبراهيم رفيقة الشفيع وزوجته خبر إعدامه بشجاعة ورباطة جأش وهي في الإقامة الجبرية يوم 26 تموز 1971 فوجهت رسالة إلى جعفر النميري جاء فيها: (كان من الممكن أن يموت الشفيع في التاريخ نفسه بحمّى أو سكتة قلبية على سريره، ولكنه مات ميتة الابطال يغبطه عليها المؤمنون بالله وبشعبهم، مات وهو يهتف بحياة شعبه وكفاح الطبقة العاملة، وهو محتفظ بكامل وعيه وثباته. يكفيه فخراً أنه ورفاقه الأوائل رفعوا شعار الاشتراكية العلمية الأصيلة وناضلوا من أجل توحيد الشعب والدفاع عن مصالحه. يكفيه فخراً أنه من قادة الطبقة العاملة المخلصين، وابن بار لها عرفه الشعب السوداني جسوراً وقائداً متواضعاً ناضل حتى اللحظة الأخيرة من أجل حياة حرة وكريمة للشعب السوداني.
كما وجهت رسالة إلى السيد بابكر عوض الله، وزير العدل جاء فيها:
(إلى وزير العدل في بلد اغتيل فيه العدل، إلى رجل القانون الذي وئد القانون أمام سمعه وبصره، وتحكم الحقد وعمت الفوضى. أكتب إليك في موضوع أساسي يتعلق بالعدالة وسيادة القانون وابسط حقوق الإنسان. ألا وهو محاكمة الشفيع وتنفيذ الحكم عليه بالإعدام بوساطة محكمة عسكرية سرية لم يمنح فيها حقه المشروع في الدفاع عن نفسه، فقد تمت محاكمته في ساعات وتم إعدامه في لحظات. وهو كما تعلم مدني لم يحمل سلاحاً في وجه أحد في يوم من الأيام.. وتاريخ نضاله المشرف يثبت ذلك..)..
وفي المؤتمر الدوري العاشر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في أبريل عام 1991 رشحت فاطمة للرئاسة من قبل الوفود العربية والإفريقية وأصبحت رئيسة للاتحاد، وكانت أغنى فترات نضالها، وقد نالت جائزة الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ولعل اختيار مؤسسة ابن رشد للفكر الحر التي أسسها في برلين عام 1998 مثقفون عرب أحسنت الاختيار في منح جائزتها لفاطمة، لدورها في الحقل السياسي وكفاحها المثمر من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنها وفي البلدان العربية وبوصفها شخصية مرموقة في الحركة النسائية العالمية.
التقيتها أكثر من مرة في مؤتمرات الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، ولكني كنت أعرفها جيداً من قبل من خلال نشاطها المتميز في الدفاع عن حقوق المرأة ونشاطها غير المحدود في صفوف الحزب الشيوعي السوداني إلى جانب زوجها الشفيع أحمد.
فاطمة مثل كل الشيوعيين السودانيين عندها إيمان مطلق بالشعب، بالإنسان، فهم حقيقي لدور الدين في مجتمع متخلف، وقدرة على المواءمة بين المعتقد الديني والطموح إلى تغيير الواقع، والأخذ بأساليب التحديث من دون استفزاز الآخرين متدينين أو لا دينيين، رهيفة الحس، صادقة، تمتلك صلابة غير عادية في الدفاع عما تؤمن به بأنه حق الشعب، حرية المعتقد، حرية التعبير عن الرأي، حرية قرار المرأة التي لأخيها وزوجها وزميلها، واسعة الثقافة مفتوحة الذهن على الأفكار الجديدة رحبة الصدر في نقاشها لآراء المختلفين معها وعنها، وكانت وزوجها الشفيع نموذج للتآلف والتكامل خلقاً ونضالاً.
لم تتمكن فاطمة من القيام بمسؤولياتها كاملة كرئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي بسبب وجودها في الخارج كلاجئة سياسية أولاً، وفقدان المساعدات المادية الكافية للاتحاد نسائياً.
عام 2005 عادت من المنفى إلى بلادها وأعيد انتخابها نائبة في البرلمان السوداني ممثلة عن الحزب الشيوعي السوداني.