من يملك الإعلام الأمريكي؟

كانت الغالبية العظمى من وسائل الإعلام في الولايات المتحدة مملوكة من قبل ما يقارب 50 شركة حتى أواخر القرن العشرين، أما اليوم، فقد تركزت ملكية 90 في المئة من وسائل الإعلام في أيدي ست شركات إعلامية فقط، تسيطر على معظم ما يشاهده ويسمعه ويقرأه المواطن الأمريكي والأجنبي كل يوم. يعتبر كثير من المشاهدين الغربيين والمتابعين العرب (النموذج الأمريكي) مثالاً يحتذى به لـ(حرية التعبير) و(الإعلام الحر) رغم السيطرة المحكمة على تدفق المعلومات داخل منظومة وسائل الإعلام الرئيسية. ويخصص المواطن الأمريكي أكثر من مئة وخمسين ساعة لمشاهدة التلفاز ومئة ساعة لتصفح الانترنت شهرياً، الأمر الذي يجعل من الضروري التحقق من أصحاب رؤوس الأموال والشركات العملاقة التي تقف خلف تدفق المعلومات من قبل وسائل الإعلام، التي تصنع وتبلور بدورها الرأي العام حول الأمور السياسية المهمة التي تمارس تأثيراً مباشراً وغير مباشر، ليس على الولايات المتحدة فحسب، بل على الحكومات والمجتمعات الأخرى أيضاً.

من يملك وسائل الإعلام الأمريكية إذاً؟

1- تتربع شركة Comcast Corporation الإعلامية على رأس القائمة، وهي أكبر مزود للبث والكابلات في العالم من حيث الإيرادات التي بلغت قيمتها 64.657 مليار دولار  في العام الفائت، وأكبر مزود لخدمة الانترنت في الولايات المتحدة، وثالث أكبر مزود لخدمة الهاتف المنزلي في البلاد، وتمتلك هذه الشركة التي يديرها السيد برايان روبرتس (اليهودي) العديد من الشركات الفرعية التي لها حصة الأسد في صناعة الرأي العام الأمريكي والعالمي أيضاً وهي:

أـ NBC Universal: شركة إعلامية وترفيهية أمريكية تعمل في مجال إنتاج وتسويق برامج الترفيه والأخبار ومنتجات وخدمات المعلومات إلى قاعدة عملاء كبيرة في العالم، كما أنها تمتلك وتدير العديد من شبكات التلفزيون الأمريكية، وقنوات الكابل ومجموعة من المحطات المحلية في الولايات المتحدة، فضلاً عن الشركات السينمائية، والعديد من شركات الإنتاج التلفزيوني.

ب ـ .Universal Studios Inc: تعتبر واحدة من أكبر ستة استوديوهات للسينما في هوليوود، قامت لأكثر من 85 عاماً بصناعة أفلام هوليوودية اتُهمت من قبل النقاد بتسويق الصور النمطية السلبية للكثير من الشعوب لضمان هيمنة الثقافة الأمريكية.

ج ـ Focus Features: وهو قسم الأفلام المنزلية في إن بي سي العالميةNBC Universal ، ويعمل كمنتج وموزع للأفلام الخاصة وموزع للأفلام الأجنبية إلى بريطانيا واستراليا وكندا على حد سواء.

2- تأتي في المرتبة الثانية عالمياً بعد كومكاست شركةThe Walt Disney Company المعروفة باسم Disney، بإيرادات تبلغ 45 مليار دولار، وهي شركة إعلامية أمريكية متنوعة تشتهر بالإنتاج السينمائي في استوديوهات والت ديزني، وتعتبر اليوم إحدى أكبر وأشهر استوديوهات السينما الأمريكية. تمتلك ديزني شركة الإذاعة الأمريكية ABC التي تعتبر واحدة من أكبر الشبكات التلفزيونية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى قناة ديزني وسلسلة القنوات الرياضية ESPN، كما تمتلك علاوة على ذلك العديد من دور النشر والترويج، واستوديوهات الموسيقى، والمسارح، وتدير أربع عشرة مدينة ملاه في جميع أنحاء العالم.

3- تأتي في المرتبة الثالثة من حيث القوة والنفوذ، شركة الإعلام الأمريكية News Corporation لصاحبها روبرت موردوخ، وتمتلك نيوز كوربورايشن على غرار شقيقاتها في الولايات المتحدة عدداً هائلاً من شركات الإعلام داخل البلاد وخارجها، فهي تمتلك على سبيل المثال لا الحصر، شركات مثل Fox News الأمريكية الشهيرة المعروفة بانحيازها للجمهوريين وتسويقها للحروب الأمريكية للرأي العام الأمريكي، بالإضافة إلى FOXTEL الاسترالية التي لا تختلف برامجها وتغطيتها الإعلامية كثيراً عن Fox، كما تمتلك إلى جانب هذه القنوات الكثير من الصحف المؤثرة أمثال The Sun، The Times، Sunday Times و Press Association البريطانية، وصحيفتي New York Post و Wall Street Journal الأمريكيتين، بالإضافة إلى عشرات المجلات الاسترالية والعالمية. يُذكَر بأن شركة 21t Century Fox قد انشقت مؤخراً عن News Corporation حيث وصلت عائداتها إلى 8,31 مليار دولار، وتقوم بتشغيل وسائل إعلام ضخمة تحت جناحها أيضاً أمثال قناة Fox Business Network، وسلسلة القنوات الرياضية المحلية Fox Sports Media Group وقنوات الـ National Geographic، بالإضافة إلى قنوات البث والكابلات في أمريكا اللاتينية والهند والصين.

يُذكر أن شركة News Corporation تعمل على نطاقٍ عالمي، وتركز على مجال الصحافة والنشر، فقد كشفت وثائق (ويكيليكس) المسرّبة أن موردوخ حاول الاتفاق مع الأمير السعودي الوليد بن طلال لتوسيع نطاق نشاطه إلى المملكة العربية السعودية عبر النسخة العربية لـ Wall Street Journal، وذلك لنشر القيم الغربية في المملكة مقابل أرباح طائلة لصالح الوليد بن طلال.

4- أما في المرتبة الرابعة فتأتي شركة Time Warner التي تتمتع بنشاط كبير في مجال السينما والتلفزيون، ويعمل تحت جناحها عددٌ كبير من القنوات والمواقع الالكترونية كشبكة القنوات الأمريكية المتميزة HBO، والتي تملك فروعاً في آسيا وأوربا والهند وأمريكا اللاتينية، وقناة CNN الإخبارية العملاقة بأقسامها العالمية، وباقة قنوات الـ NBA الشهيرة، بالإضافة إلى قنوات الأطفال مثل Cartoon Network.

5- تأتي شبكة التلفزيون التجاري الأمريكي CBS Broadcasting في المرتبة الخامسة، بإيرادات قدرها 2,15 مليار دولار، وتدير مجموعة كبيرة من القنوات ومحطات الإذاعة في الأسواق الأمريكية الكبيرة ومتوسطة الحجم، وتتكون من 16 محطة مملوكة ومدارةٍ من طرفها، وحوالي 200 شركة إعلامية تابعة لها، بالإضافة إلى 4 محطات فضائية تَبث من خارج الولايات المتحدة.

6- وأخيراً، تعتبر الشركة الإعلامية الأمريكية المتخصصة في السينما والتلفزيون والكابلات Viacom سادسَ أكبر شركةٍ للبث في العالم من حيث إيراداتها التي بلغت 7,13 مليار دولار خلف كومكاست، ديزني، النيوز كوربورايشن، وتايم وارنر على التوالي. وكشقيقاتها في الشركات الأمريكية الأخرى، تمتلك فياكوم مجموعة كبيرة من شركات الإنتاج وتوزيع الأفلام مثل شركة الإنتاج التلفزيوني والتوزيع السينمائي Paramount Pictures، وشركة التوزيع السينمائي إلى خارج الولايات المتحدة United International Pictures، بالإضافة إلى سلسلة القنوات الموسيقية الـ MTV،VH1 و TMF التي تُشاهد في أنحاء العالم كافة.

باختصار، يُقال إن الرأي العام ووسائل الإعلام يشكلان أساس (الديمقراطية التمثيلية) في الولايات المتحدة، إذ يحصل الأمريكيون على معلوماتهم من ثلاثة مصادر رئيسية وهي: الإعلام المرئي والمسموع (الإذاعة والتلفزيون)، وسائل الإعلام المطبوعة (الصحف والمجلات) وشبكة الإنترنت التي تزايد الاعتماد عليها في الآونة الأخيرة. ورغم أن الإدارة الأمريكية لا تمتلك سيطرة مباشرة على وسائل الإعلام، إلا أنها تنظم المحتوى الذي تبثه شركاتها وتتحكم بملكيتها، جاعلةً إياها تضع الأجندات الأمريكية كأولوية لها، وتقوم بتأطير محتوى المعلومات، جاذبةً بذلك اهتمام الجمهور نحو القضايا التي ترغب بإثارتها، ومؤثرةً في الفهم الجماهيري للسياسة الداخلية والخارجية بحسب مصالح الشركات الضخمة والسياسيين المدعومين من قبل هذه الشركات والتي تبلغ قيمة إيراداتها حوالي 275 مليار دولار، وهو مبلغ يزيد عن الناتج المحلي للكثير من الحكومات. ونتيجةً لمعرفة الشركات الضخمة ومديرها التنفيذيين في وسائل الإعلام بأذواق الناس ورغباتهم ومخاوفهم، نجدهم يقومون بدفع القضايا في الاتجاه الذي يخدم أجندات الشركات ومموليها. وكنتيجةٍ لنمط حياة الشعب الأمريكي في مجتمع يسير بإيقاع سريع جداً، بحيث يتوفر له وقت ضئيل للقراءة واستكشاف الحقائق، ولأن منتجي وسائل الإعلام على دراية تامة بهذا الأمر، فقد أصبح من السهل التأثير في الرأي العام وخيارات الشعب السياسية وغير السياسية، الأمر الذي قد يدفع الشعب الأمريكي لقبول بعض القرارات التي لم تكن تحظى بشعبية كبيرة سابقاً، والتي تؤدي لآثار كارثية على الشعوب الأخرى، فلطالما كان للتأثير السيكولوجي لوسائل الإعلام اليد العليا في صنع الرأي العام وصبغ الشرعية الشعبية على القرارات الحاسمة والحساسة.

 

(السفير)

العدد 1102 - 03/4/2024