مأدبة عشاء عربية

حين كنا صغاراً تعلمنا في المدرسة أن الأمة العربية أمة واحدة، وأن أواصر (اللغة والدين والتاريخ المشترك والآلام والآمال) التي تجمع هذه الأمة من أمتن الأواصر، وأن العرى التي توحدها من أوثق العرى.

وأذكر أيضاً أن شعراء هذه الأمة  وهم كثر  تغنوا بعظمة هذه الأمة وقوتها ووحدتها ومنعتها، وأنها كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وأنها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

وكلنا يذكر النشيد العربي:

بلادُ العربِ أوطاني

 منَ الشامِ لبغدانِ

ومن نجدٍ إلى يمنٍ

 إلى مصرَ فتطوانِ

وحين كبرنا اكتشفنا أن أساتذتنا لم يقولوا لنا الحقيقة، وأنهم كانوا يراوغون ويكذبون علينا، نعم أقولها بملء فمي.. أساتذتنا كانوا يراوغون ويكذبون، وأن ما ورد في المناهج التعليمية حول أننا أمة واحدة يحتاج إلى إعادة نظر. وأن ما أنشده شعراؤنا كان هراء وتجديفاً وصيداً في الماء العكر. فأين هذه الأمة العربية التي يتحدثون عنها..؟ وأين حدودها..؟

ولكي أكون منطقياً أجد أنه لزام علينا  كوننا مثقفين ولدينا اطلاع على كتب التراث  أن نقول:

 نعم، كنا أمة واحدة فيما سلف. لكن الواقع العربي الراهن فيه قوانين عجيبة غريبة وسياسات مدهشة، استطاعت أن ترسم جغرافيا هذه الأمة وفق أهواء وميول أعداء هذه الأمة وأطماعهم، ما يؤكد لنا أننا أمم شتى..!! أمم جاهرت بتبعيتها دون حياء أو خجل..! أمم أعلنت ولاءها للآخر في وضح النهار وتحت أشعة الشمس..! أمم أقسمت أن تتعرى أمام العالم غير مكترثة أو مبالية بالفضيحة والعار.

وأقسم لو أن أحد الغيورين على وحدة هذه الأمة وكرامتها وعزتها ومكانتها في العالم، فكر أن يقيم مأدبة عشاء على شرف السياسيين العرب لحل الخلافات فيما بينهم، لرأى العجب ولهاله ما تتمتع به (أمزجتهم) من حساسية مفرطة بعضهم تجاه بعض.

فالسعوديون يريدون أن تكون الوجبة الرئيسة في هذه المأدبة التاريخية العظيمة (الثريد)، وأن يكون الأكل بأصابع اليد الخمسة، وذلك حفاظاً على التراث، لأن العرب في الأيام الغابرة، أيام حاتم الطائي والحطيئة هكذا كانوا يفعلون.

وأهل الخليج يفضلون أن تكون الوجبة الرئيسة (المندي باللحم)، وإذا لم يتوفر اللحم بسبب القحط والإفلاس، فلا بأس بالدجاج. وعلى الرغم من أن هذه الوجبة قادمة إليهم من بلاد الهند، إلا أنها احتلت مكانة وطنية عند أهل الخليج دفعتهم إلى تصديرها إلى مطاعم الوطن العربي كافة.

واللبنانيون يصرون على وجود التبولة كمقبلات تفتح النفس لمزيد من المناقشات.

والسوريون سيرفعون عقيرتهم ويصرخون: أين (الفتوش) و(الحرّاق بإصبعو)؟ فهما الوسيلة الوحيدة لدرء خطر الجوع، فلا صلح ولا سلم دونهما.

والمصريون سيرفضون الدعوة إذا لم توجد الملوخية، فالملوخية هي الوجبة الشعبية التي تمنح المدعوين التضامن والتكاتف والتعاضد.

والتونسيون سيرفضون الدعوة إذا لم يروا ال (كسكس) على الطاولة، وسيتركون مقاعدهم شاغرة ويأخذون أول طائرة تقلهم إلى بلادهم.

والمغاربة سيدلون بدلوهم  بكل عناد  في اختيار الوجبة الرئيسة لهذه المأدبة… فلا بد من وجود (طاجين اللحم بالمشماش)، وإلا فإن الدعوة لن تلبى.

والجزائريون سيحاولون إقناع صاحب الدعوة أن تكون الوجبة الرئيسة (البوراك الجزائري).

ماذا أريد أن أقول…؟

ما أريد قوله إن العرب جاهزون للنزاع والاختلاف على أتفه الأسباب ودون مبررات منطقية، وإذا كان الأمر كذلك أتساءل: كيف يفكرون بالوحدة والانتصار؟!

العدد 1102 - 03/4/2024