الحلم الأبيض….الأزمة ترخي بظلالها على العلاقات الإنسانية
الاستقرار والبيت ولأسرة أمور كانت تحلم بها كل فتاة سورية.. الفستان الأبيض والخاتم سقف أحلام معظم الصبايا، فكل حب لابد أن يكلل بالزواج، لكن هل مازال هذا الحلم قائماً يا ترى؟ وهل مازال الشاب السوري راغباً أو بالأحرى قادراً على تكوين أسرة؟ وهل علاقات الحب أثمرت، أم تلاشت مع دخان التفجيرات والعبوات الناسفة؟ وهل شبح العنوسة يطارد الفتاة؟ هل الحلم الأبيض مازال يراود الفتيات؟…
العلم سلاح الفتاة ولا يبقى للفتاة سوى علمها! كلمة طالما سمعناها منذ الصغر وظلت محفورة فينا حتى غدونا ناجحات في حياتنا العملية، هكذا قالت المهندسة نعمة، لم أقبل بأي عريس تقدم لطلب يدي، كنت أرغب بأن أثبت نفسي وأن أرضي أمي وأبي، وفعلاً غدوت ناجحة في عملي ورفعت رأسي أهلي، ولكن عندما أعود إلى البيت وأجلس وحيدة، أفقد طعم النجاح، أريد أن أصبح أمّاً.. تضيف: أنا اليوم في الخامسة والثلاثين من عمري ولم يعد أحد يطرق بابي، فالشاب اليوم يرغب بفتاة صغيرة ومعظمهم لا يرغبون بها ناجحة- تقول نعمة، ليكون هذا سبباً يجعل معظم الفتيات من خريجات الجامعات يبقين دون زواج!
وعند إجراء هذا التقرير لم نجد صعوبة بطرح كلمة (عانس) على الفتيات كما توقعنا لأن هذه الكلمة كانت دوماً محرجة للفتاة في مجتمعنا، كما تقول ولاء، وهي في الثامنة والعشرين من عمرها: كلمة عانس لم تعد محرجة، إذ إن معظم الفتيات السوريات يشتركن بها- تكمل ولاء- لقد تقدم لخطبتي أكثر من شخص ولكنهم لم يكونوا كما أحلم لذلك رفضتهم، ولكن اليوم أنا حقاً نادمة لأنه لم يعد أحد يتقدم لخطبتي خصوصاً في ظل هذه (الأزمة) إن معظم الشباب يقولون: لا نريد الزواج! وأنا بتّ أخشى من الأيام القادمة حقاً..
أما دارين فتقول: بدأت علاقتي بسامر قبل الأزمة، وهو ضابط في الجيش، ولكن بحكم الظروف الراهنة والصعبة، فأنا لا أراه كثيراً لأنه في حلب وأنا في اللاذقية، وحتى الآن لا يوجد بيننا شيء رسمي وبلغت السابعة والعشرين من عمري، وهو يقول لي: لا تنتظريني إن تقدم أحد أقبلي به فأنا لا أضمن حياتي… تتابع دارين: أنا أحبه وسأربط مصيري بمصيره مهما كان…أما حلا، وبابتسامة لا تخلو من الحزن، فقالت: (ليش خلّولنا شباب حتى نتزوج)؟! وتمضي في طريقها إلى بيتها مخلفة وراءها جواً من الحزن.
معوقات الزواج قبل الأزمة.. وبعدها
قبل الأزمة التي عصف ببلدنا كانت معوقات الزواج هي المهور الغالية وصعوبة تأمين بيت، والرواتب المنخفضة بالنسبة للشاب الموظف وصعوبة إيجاد عمل للشاب الجامعي، إضافة إلى الطلبات التعجيزية أحياناً للفتيات ولأهلهن، أو الطموح الكبير لهن والرغبة في إتمام تعليمهن الجامعي، وهنا تكبر الأحلام وترغب الفتاة ببطل خارج من إحدى الروايات الرومانسية، لكن تلك العقبات كانت تذلل أمام رغبة الشاب في الزواج، واليوم انهارت كل تلك الصعوبات، فرغبة الفتاة اليوم هي الزواج لكن هناك عزوف من قبل شبابنا، فهم لا يرغبون بتكوين أسرة وإنجاب أطفال لأسباب عديدة، منها الخوف على مستقبل أطفالهم وعدم قدرتهم على تأمين حياة كريمة في ظل هذا الغلاء الفاحش.
ربما من المنطق أن لا يتزوجوا.. نعود ونقول هذا لا يجوز…
لا يمكن لصبايا سورية أن يبقين دون زواج… هذه الحيرة أوقعنا فيها (علاء) وهو أحد أبطال جيشنا الباسل. يقول: أنا عسكري على أحد الحواجز من أكثر من 6 شهور لم أر أهلي والوضع المادي سيئ، فكيف لي أن أربط مصير فتاة بمصيري؟ فربما أعود وربما لا أعود! يعقب (أحمد) زميل علاء قائلاً: هل يقدم على الزواج من هو مقبل على الموت!!.. كلنا نحلم أن يكون لنا بيت وأولاد لكننا لا نستطيع ذلك. كيف سنحميها ونحن بعيدون عنهم؟ فلتبقَ الفتاة دون زواج خيرٌ لها من أن تربط مصيرها بمصير مجهول.
تراجعت نسبة الزواج في سورية إلى النصف بسبب الأزمة الراهنة، وارتفعت نسبة العنوسة من 55 إلى 70% وهي مرشحة للارتفاع بسبب الوفيات من الشباب ممن هم في سن الزواج أو الإصابات الخطيرة التي أصيبوا بها وحالت بينهم وبين إكمال حياتهم بشكل طبيعي.
إن المرأة السورية هي الخاسر الاكبر.. هل أصبح الحصول على عريس ضرباً من المستحيل أم سيغدو أمراً طبيعياً أن تبقى فتياتنا دون زواج؟ أثرت الازمة السورية على كل مواطنيها فهل كانت المرأة السورية هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب؟… فهي الأم التي فقدت ولدها، والزوجة التي فقدت زوجها وهي الحبيبة التي فقدت حبيبها، والابنة التي فقدت أبيها، وهي الأرض التي يتصارع عليها الغرباء، والضالون من أبنائها، وهي الصبية التي تحلم ببيت آمن وزوج يحميها من غدرات الزمان.
يقلن (لابأس) إن شبنا، (لا بأس إن فاتنا قطار الزواج، نحلم بحياة كما الحياة.. نريد سورية كما كانت وهذا هو المهم اليوم.. إن عادت سورية كما كانت عادت حياتنا إلى طبيعتها.. إن لم نلبس الأبيض في ليلة زفافنا نتمنى أن نلبس الابيض يوم انتصار شبابنا وعودتهم إلى بيوتهم سالمين…هذه هي المرأة السورية التي تُرفع القبعة لها أينما حلّت، فتحية لها صغيرة وصبية وكبيرة وعجوزاً….