لم يفهموا كارل ماركس في يومِ من الأيام

(كل رأيٍ يستند إلى نقدٍ علمي سأقابله بالترحيب. أما الأفكار المسبقة لما يسمى بالرأي العام، الذي لم أتنازل له في يومٍ من الأيام، فإن شعار رجل فلورنسا العظيم كان وما زال شعاري أنا:
 ( سر في طريقك أنت، وليقل الناس ما يشاؤون (Segui il tuo corso, e lascia dir le genti).
 (كارل ماركس، في مقدمة الطبعة الألمانية الأولى لكتاب (الرأسمال)، 25 تموز/ يوليو 1867.
(رجل فلورنسا العظيم) الذي يشير إليه كارل ماركس هو دانتي أليغييري، 1265- ،1321 شاعر القرون الوسطى الإيطالي وصاحب الكوميديا الإلهية).
(إذا ما ظهرت لك نظرية أنها الوحيدة الممكنة، فعُدَّ ذلك مؤشراً على أنك لم تفهم النظرية ولم تفهم المشكلة التي يفترض أن تحلها هذه النظرية) (كارل بوبر، 1902-1994)
من لم يفهم حتى هذا اليوم ما هي نظرية كارل ماركس في فائض القيمة؟ فإن كل كُتَّاب العالم لا يمكنهم أن يشرحوا له ذلك. هذه صفقة خاسرة منذ البداية.
من لم ينجح حتى اليوم في التمييز بين مفهوم (قوة العمل) ومفهوم (العمل) أو (ساعات العمل) فلسوف لا يميز بينهما إلى أبد الآبدين. لا تحاول أن تقنعه لأن خيبة الأمل هي الأمر الوحيد الذي ينتظرك.
ومن ما زال يعتقد أن النظرية القائلة (إن سلعة قوة العمل تنتج، عند استخدامها، قيمةً تفوق قيمتها هي نفسها)، هي خرافة من ابتكار يعقوب أبراهامي وليست ركناً من أركان نظرية كارل ماركس في الاقتصاد السياسي – فماذا يمكنك أن تقول له وعنه؟ كيف تقنعه؟
ماذا تقول لشخصٍ يتحدث عن غزل القطن بواسطة النول، في الوقت الذي تعلن فيه محطة (كيوريوزيتي) من بُعد ملايين الكيلومترات: (هبطنا بسلامٍ على أرض المريخ)؟
لذلك لن أكتب عن (فائض القيمة). أريد أن أكتب اليوم عن واجب الكاتب والمثقف اليساري تجاه القراء، وعن الأمانة في النقل. أريد أن أكتب عن النزاهة الفكرية وعن احترام الكلمة المكتوبة. والسيد عذري مازغ في مقالته ضرب لنا مثلاً لا أريد أن أضيعه في كيف يجب أن لا يكتب مفكر ماركسي.
الزميل جاسم الزيرجاوي: لفت الأنظار أكثر من مرة إلى الأضرار التي ألحقتها بالفكر العربي الماركسي الترجمات العربية الفاسدة للكلاسيكيات الماركسية (ولكتابات كارل ماركس على وجه الخصوص)، ونصح القراء بالابتعاد عنها. إنذاراته لم تجد إذناً مصغية لدى (مبتذلي الماركسية). وأحد هؤلاء هو عذري مازغ.
عندما يرتدي عذري مازغ قبعة المفكر الماركسي فإنه مسؤول شخصياً أمام القراء عن صحة الاقتباسات التي يأتي بها من ماركس أو من مفكرين آخرين، القراء يريدون منه أن يتأكد من صحة النصوص قبل أن يأتي بها لمواجهة خصومه الفكريين، (وبالمناسبة هذا ما أفعله أنا).
الحجة الرئيسية في هجوم عذري مازغ (وآخرين) على فهمي لنظرية (فائض القيمة) هي كما يلي: عندما أقول (استناداً إلى كارل ماركس طبعاً) إن الرأسمالي يدفع للعامل (صاحب (قوة العمل))، في أحسن الأحوال، كامل قيمة قوة عمله، فإنني أدافع عن النظام الرأسمالي، وأخفي الظلم الذي يلحق بالعامل.
هذا طبعاً كلام لا أساس له من الصحة. لكن عذري مازغ (وجد) في كتاب (الرأسمال) نصاًّ يؤيد هذا الهجوم على فهمي لنظرية (فائض القيمةً)، ولم يتردد لحظة واحدة في استخدامه ضدي.
ما هو هذا الكنز الدفين الذي عثر عليه عالم الحفريات عذري مازغ؟
اقرؤوا:
يقول ماركس: ( يتكلف الإبقاء على قوة العمل كل يوم عمل نصف يوم، ولكن برغم هذا تستطيع قوة العمل أن تعمل طيلة يوم العمل ما ترتب عنه أن تنتج من القيمة في يوم العمل ضعف قوة العمل في اليوم، وهذا أمر حسن بالنسبة إلى الرأسمالي، ولكنه ظلم لبائع قوة العمل).
والآن مفاجأة: ماذا تقولون لو قلت لكم إن كارل ماركس لم يكتب هذه الجملة على الإطلاق؟ ماذا كنتم تقولون لو أخبرتكم أن ماركس قال على العكس من هذه المقولة تماماً؟
إليكم النص الكامل للفقرة كما جاءت في كتاب (الرأسمال):
The circumstance, that on the ‘ one hand the daily sustenance oflabour-power costs only half a day’s labour, while on the other hand the very same labour-power can work during a whole day, that consequently the value which its  use during double what he pays for that use, one day creates, this circumstance is, without doubt, a piece of good luck for the buyer, but by no means an injury to the seller.
أترجم فقط الجملة الأخيرة ذات العلاقة بموضوعنا:
(هذه الحقيقة هي دون شك أمرٌ حسن وقع في حظ الرأسمالي، ولكنها لا تلحق بأي حالٍ من الأحوال ضرراً ببائع قوة العمل)
It is by no means an injury to the seller
وترجمتها غير الدقيقة (إذا أردنا أن نستخدم نفس التعابير التي استخدمها عذري مازغ):
(لا تلحق بأي حالٍ من الأحوال ظلماً ببائع قوة العمل)
مقابل: (تلحق ظلماً ببائع قوة العمل)؟
سيدي الفاضل عذري مازغ! ماذا قال كارل ماركس، ووفقاً لأيٍّ من الجملتين سوف تفهم من الآن فصاعداً كارل ماركس؟ هل عملية شراء (قوة العمل) تلحق ظلماً ببائع قوة العمل أم لا تلحق ظلماً ببائع قوة العمل؟

عن مركز الدراسات وأبحاث الماركسية بتصرف

العدد 1102 - 03/4/2024