جليد القطب الشمالي يذوب بوتيرة غير مسبوقة!

حل موسم القطب الشمالي وغابت الشمس بعيداً عن السماء، وانخفضت درجات الحرارة، على حين عاد الجليد الذي ذاب في شتى أرجاء المنطقة القطبية خلال الصيف ليغطي من جديد هذا المحيط القابع بعيداً في شمال الكرة الأرضية. بدأ العلماء باستخدام صور الأقمار الصناعية منذ عام 1979 من أجل رسم خرائط تحدد مدى اتساع رقعة الجليد، إلا أن الصورة التي التقطت هذا العام لم تبشر بالخير؛ فقد تقلصت رقعة الجليد في هذا الصيف إلى مستوى قياسي تجاوز ما كان قد سُجل في العام 2005. فقد انحسر الغطاء الجليدي في القطب الشمالي لهذا العام إلى 12,4 ملايين كيلومتر مربع مقارنة بأدنى مستوى بلغه قبل 7 سنوات عندما وصل إلى 31,5 ملايين كيلومتر مربع. وتشير الإحصاءات إلى أن الغطاء الجليدي للقطب الشمالي فقد 19,1 مليون كيلومتر مربع، أي ما يساوي مساحة ولايتي كاليفورنيا وتكساس مجتمعتين.

يرى (مارك سيريز)؛ كبير العلماء الدارسين في (المركز الوطني الأمريكي لمعلومات الثلوج والجليد)، الموجود في بلدة (بولدر) التابعة لولاية كولورادو، أن غطاء البحر الجليدي هذه السنة تراجع إلى مستويات منخفضة قياسية جديدة. يقول (سيريز): (إننا نحطم أرقاماً قياسية قديمة). وتقول منظمة المسح الجيولوجي الأمريكية العلمية المحايدة إنه نتيجة للأنماط الطارئة على الغلاف الجوي، التي أدت إلى ارتفاع حرارة الهواء وتراجع السحب، فقد ازدادت الحرارة المتولدة مع انكشاف مياه المحيط، وساعد كل ذلك الذوبان على فتح الممر الشمالي الغربي لأول مرة هذا الصيف، ما ينذر بأوقات صعبة ستعانيها الدببة القطبية وغيرها من حيوانات المنطقة القطبية التي تعتمد على جليد البحر من أجل البقاء والاستمرار، مشيرةً إلى أن ما فقده الغطاء الجليدي فاق إلى حد بعيد أي مستوى توقعه العلماء أو نماذج التوقعات المناخية.

مستوى التراجع القياسي الجديد الذي بلغه الغطاء الجليدي للقطب الشمالي يثبت استمرار حالة الانحسار في جليد البحر في مواسم الصيف. يقول (سيريز): (نحن معرضون لمواجهة خسارة كبيرة في السنة المقبلة، ولدينا الكثير من المياه المكشوفة في المنطقة القطبية في الوقت الحالي، وقد استوعبت الكثير من الطاقة خلال الصيف بحيث أدت إلى زيادة حرارة المحيط. وسيكون الجليد الذي سيتشكل مجدداً في فصل الخريف رقيقاً). وعلى أرض الواقع، كان فريق بحث ألماني قد أجرى دراسة على منطقة (بولارسترن) كشفت أن سُمك بحر الجليد القطبي الحالي في وسط الغطاء الجليدي تبلغ نحو ثلاثة أقدام فقط، أي أنها أرق بخمسين بالمئة من سمكها قبل ست سنوات. وكشفت أيضاً أن المزيد من المياه الذائبة تمتزج بمياه البحر المالحة، فيما بدأت تدفقات من مياه المحيط الأطلسي الأكثر دفئاً تنساب إلى داخل المحيط القطبي.

وعلى حين يبقى القطب الجنوبي محمياً بصورة نسبية نتيجة ظروف جغرافية وأحوال جوية وبحرية مختلفة، فإن القطب الشمالي يتعرض لتغير سريع لم يشهده منذ 6 آلاف سنة، وربما 125 ألف سنة.وربما تنتقل تلك التغيرات المتسارعة إلى خطوط عرض أدنى على الكرة الأرضية. وفي هذا السياق يشير (سيريز) إلى (أنه من المنطقي التفكير بأن خسارة غطاء بحر الجليد سيؤثر في مناطق أخرى). وقد أشارت بعض الدراسات حول هذه التأثيرات إلى حدوث جفاف في الأجزاء الغربية من الولايات المتحدة أو تغيرات ملحوظة في التوقعات المناخية لمختلف أنحاء أوربا. كما يتوقع (سيريز) أن يعاود مستوى الجليد تحسنه بشكلٍ ما في العام القادم، لأنه لا يصدق أو يتصور إمكان حدوث انحسار أكبر بهذه السرعة.

إلا أن فصول الصيف المنصرمة من الجليد في المنطقة القطبية الشمالية قد تصبح الحالة الطبيعية في المستقبل القريب. في هذا الصدد يحذر (سيريز) قائلاً: (عند هذا الحد، أرى أن سنة 2030 لم تعد مستبعدة أو مستغربة بأن نصل فيها إلى صيف من دون بحر جليدي في المنطقة القطبية). ويلاحظ (سيريز) أنه حين يحدث ذلك، فإن القطب الشمالي قد يصبح منطقة مخيفة وضبابية تعيش فيها مجموعات من الدببة الضعيفة، و(وستصبح عالماً مختلفاً… فمعدلات التغيير فاقت ما كنا نتوقعه).

ديفيد بيلو

 المصدر: مجلة (نيتشر)

العدد 1104 - 24/4/2024