السياسات الاقتصادية والوضع المعيشي للمواطن

لا يزال الشعب السوري، في غالبيته، يعيش حالةً من الحيرة والتردّد حيال مجموعةٍ من الأسئلة التي فرضتها الأحداث الكارثية التي يمر بها. ويدور معظم هذه الأسئلة المشوبة بالدهشة والمفاجأة حول أسباب ما حصل ويحصل. وهو إذ يشهد ذوبان دخله المتواضع (ونحن هنا بصدد أصحاب الدخل المحدود) أمام هذا الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الحياتية والخدمات الضرورية، لا يجد إجابةً مقنعة، وإن وجدها فهو يراها عاجزة لا عن التفسير فقط، وإنما عن إعطائه الأمل في غدٍ يستطيع فيه أن يوائم ما بين دخله المتواضع، وهذا الجشع غير المبرر الذي يجده في سوق منفلت من أية ضوابط.

وإذا كان هذا هو حال أصحاب الدخل المحدود، فما هو حال من لا دخل له، وهذا القطاع الواسع من الفقراء والعاطلين عن العمل الذين كانوا في عمل يدرّ عليهم قبل الأحداث ما يسدّ الرمق، أو جيش الوافدين الجدد من العاطلين عن العمل، نتيجة التسريحات التعسفية التي قام بها أصحاب الأعمال ممن أغلقوا معاملهم ومجالات عملهم طوعاً أو قسراً تحت وطأة الأحداث، وفي ظل قانون عمل استُحدِثَ قبل سنوات قليلة، ربما ليواجه حالة كالتي نمر فيها لصالح أصحاب العمل.

وإذا كان هذا هو حالنا، في دمشق العاصمة، ونحن ننعم بمياه عذبة، وتيار كهربائي متواصل، عدا بعض الانقطاعات المحتملة، وبسوقٍ مليء بالبضائع التي يمكن للمواطن مشاهدتها، وقد لا يستطيع شراءها، ضمن محدودية دخله وأوليات إنفاقه، إذا كان حالنا كذلك في دمشق، فما هي حال مواطنينا وإخوتنا وأهلنا في مناطق القتال أو في المناطق التي تقع تحت سيطرة الفصائل الإرهابية المسلّحة، أو في الخيام، ومناطق اللجوء في البلدان المجاورة أو حتى في داخل البلاد!؟

ومع ذلك فالسؤال يُطرح في الدوائر الحكومية والمنتديات وفي الشارع السوري وفي المنازل والمقاهي، عن السياسات الاقتصادية والإجراءات الحكومية التي يمكن أن تخفّف من وقع الصدمات التي أصابت وضعنا المعيشي. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي جعلت بالإمكان استخدام الوضع المعيشي للمواطن كسلاحٍ جبّار في يد القوى المعادية، انطلاقاً من مقولتنا الشهيرة (التحرير قبل التمكين خطر جسيم). فيا ترى لو أن حكومات ما قبل الأحداث لم تأخذ بنصائح وتوصيات المؤسسات الدولية والاتحاد الأوربي وبعض رجالات الأعمال الكبار، وتحوّل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق، ولو أنها لم تقم بفتح باب الاستيراد على مصراعيه، فتغرق البلاد بالبضائع الأجنبية مما أدى إلى إغلاق مئات الورش والمعامل الوطنية، ولو أنها لم تقم بهذا الانفتاح الاقتصادي (السداح – المداح) فتشرع في استيلاء فئة محدودة من المحظوظين على مفاصل الاقتصاد الوطني، ولو أنها استمرت بأداء الخدمات التعليمية والصحية لفئات الشعب الفقير والمتوسط الدخل، ولو أنها أقامت مؤسسات الضمان الاجتماعي على النحو الذي يحمي المواطن من غلواء الوقوع في اسر أصحاب النفوس الضعيفة من التجار الجشعين، ولو أنها لم تقلّص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي لصالح الرأسمالية الجشعة المرتبطة بدورة الرأسمال العالمي والشركات المتعدية الجنسيات، لو أنها عملت على إقامة اقتصاد قوي ومتين، يستطيع التعامل مع الصدمات الخارجية والداخلية، ليحمي نفسه ويحمي المواطن! لو أن الحكومات السابقة للأحداث، قامت بذلك كله، تُرى هل كان يحصل ما حصل؟ أو على الأقل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟

هذه الأسئلة وغيرها تُطرح بحدّة علينا جميعاً، لربّما نجد في الإجابة عنها ما يرشدنا إلى ما يجب عمله حيال الحالة المعيشية التي نمرّ بها، وفي مواجهة تحدّيات ما بعد الأزمة.

إلا أن الأبعد من ذلك، ومن نظرة إلى ما يحيط بسورية من مخاطر وما نجده من تكالب القوى الإقليمية والدولية علينا، ومن تعدد العوامل وتشابكاتها، ومن تصاعد وتفنن في وسائل القتل والتدمير، والأهم ما نشهده من شروخٍ اجتماعية فاقت كل تصوّر، وبضمن ذلك تصوُّر مَنْ رسم وخطط لهذه الأحداث. الأبعد من هذا كله، أننا عدنا نكتشف الوظيفة أو المهمة القذرة التي قامت بها السياسات الاقتصادية الليبرالية التي  انتهجتها حكومات ما قبل الأحداث. فهذه الوظيفة أو تلك تؤكد أنه كان للسياسات الاقتصادية الليبرالية أبعاد أخرى غير اقتصادية تتعلّق بالسياسة والمجتمع والثقافة والعقائد والقيم الأخلاقية. ولعلّ هذا يفسّر ما سبق أن طرحناه قبل الأحداث بسنوات، بأن سياسات الاقتصاد المفتوح واقتصاد السوق سيؤديان إلى ما دعوناه (مجتمع المخاطر)، فأية مخاطر أشد وأمضى مما نشهده اليوم؟!

منذ الاستقلال وسورية تتعرض للمؤامرات، وكان الهدف دائماً هو أن تنخرط سورية في إطار الأحلاف والسياسات الإمبريالية. ومع تصاعد أهميتها الجيوسياسية، كانت تتصاعد حدة المؤامرات التي استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة.. وبقيت سورية صامدة بفضل وحدتها الوطنية وتضامن شعبها وعدم قدرة أصحاب المؤامرة على إحداث اختراق شعبي ومجتمعي يزعزع صمودها.

وعندما فشلت مداخل التآمر التقليدية، توجه المتآمرون إلى السلاح الأمضى والأمثل، السلاح ذي المفعول المديد، ألا وهو الاقتصاد عن طريق العمل من الداخل، من أجل إضعاف الدولة وتحويلها إلى دولة رخوة واختراق المجتمع:

الدولة الرخوة أصبحت مطلوبة من أجل (تركيع سورية) أمام مطالب الإمبريالية والاستعمار الجديد ومقتضيات العولمة ومتطلبات الاندماج بالاقتصاد العالمي، وهذا يتطلّب تهميش الدولة وشعبها، وإضعافها أمام ضغوط الخارج من جهة، وإغراءاته من جهة ثانية.

أما اختراق المجتمع فمن الممكن تحقيقه بنزع ثقافة وحدته، وإحلال ثقافة مغايرة لطبيعته وتطلّعاته، ويكون هذا بتعميم ثقافة السوق وإشاعة الثقافة الطائفية، وإثارة الحساسيات المذهبية.

 ثقافة السوق تنطلق من أبشع صور الأنانية والتفرّد والقيم المبتذلة، والثقافة الطائفية والمذهبية تنطلق من أرخص نوازع الشر واحتقار الآخر، ونبذ العيش المشترك وتحريك الغرائز القذرة.

أين أسهمت السياسات الاقتصادية الليبرالية والتحوّل إلى اقتصاد السوق في تحقيق ذلك؟

– إضعاف الدولة كنتيجة مباشرة لإضعاف الاقتصاد  وتسليم مقاليده للقلة من رجال الأعمال المتحالفة مع البيروقراطية الليبرالية. وقد تحقق ذلك بانسحاب الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي، وخصخصة الاقتصاد السوري، والسماح بتآكل القطاع العام الصناعي، وتجميد عمل ومهام مؤسسات التجارتين الداخلية والخارجية، وفقدان الدولة سيطرتها على احتياطيات المواد.

– فقدان هيبة القانون، والتجاوزات التي كان يقوم بها أصحاب النفوذ والحظوة.

إشاعة أجواء الفساد والإفساد، إذ أصبح الفساد ممارسة يومية تجتاح فئات المجتمع بكامله.

– اتساع رقعة اقتصاد الظل، وأصبح قسم هام من المعاملات الاقتصادية يتم خارج الأقنية الاقتصادية الرسمية، ويتصل بذلك تزايد عمليات تهريب البضائع من وإلى البلاد التي اتُّخذت ستاراً لتهريب الأسلحة وتخزينها انتظاراً لليوم الموعود.

– إجراء تغيير جذري في الحامل الاجتماعي للنظام، فبعد أن كان هذا الحامل هو العمال والفلاحون وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة والكسبة والفقراء، أصبح الحامل الاجتماعي للنظام الفئات الغنية وأصحاب الحظوة والنفوذ من رجال الأعمال الجدد. واستعيض عن نقابات العمال واتحادات الفلاحين وغرف التجارة والصناعة والزراعة التقليدية، بمجالس رجال الأعمال المشتركة مع الدول الأجنبية. كما استعيض عن جماهير الشعب بفئة قليلة من المحاسيب والأزلام. للأسف تحوّلت المنظمات الشعبية إلى ما يشبه الدوائر البيروقراطية الرسمية.

بواسطة سياسة الانفتاح الاقتصادي، روَّجوا لثقافة العولمة والاندماج في الاقتصاد العالمي، بدلاً من سياسة استقلالية القرار الاقتصادي. وبدأت الدوائر البيروقراطية تتسابق في استملاق المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوربي وتسعى لرضائها، واتخذت إجراءات الالتحاق بالشراكة الأوربية ومنظمة التجارة العالمية بأبعد مما يريده ممثلو الشراكة وإدارة المنظمة إظهاراً لحسن النية على حساب القرار الاقتصادي الوطني والمصالح الوطنية.

بعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه، أصبحت المسألة تتطلّب مواجهة صريحة وشفافة، فإذا لم نقضِ على الأسباب والمسببات فلن نستطيع تلمّس الحلول الناجعة وأرى بهذا الصدد أي بصدد (السياسات الاقتصادية والوضع المعيشي للمواطن) أن تكون المواجهة على مرحلتين:

المرحلة الأولى: المعالجة الإسعافية للوضع الراهن، بواسطة إدارة الأزمة، باعتبار أن الوضع المعيشي للمواطن من أهم أسباب الأزمة من جهة، ومن أهم عوامل الخروج منها من جهة ثانية، مع تركيز الجهود لمواجهة متطلّبات السكان الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم.

وإذا كان من البديهي أن الوضع الأمني، هو من أهم معوقات إيجاد الحلول أو معالجة موضوع تأمين احتياجات السكان، فإنّه لا يجوز أن ننتظر توفير الأمن لنقوم بهذه المهمة. ومن هنا لا بد من أن يشعر الجميع (المسؤولون والمواطنون) أننا في حالة غير طبيعية، وبالتالي يجب أن نبحث عن حلول استثنائية. ومن هنا لا بد من إطلاق المبادرات والتفكير بالحلول السريعة والآنية لتجاوز مسألة النقل والمحافظة على المخزون بإجراءات خلاّقة لا يعيقها الروتين أو البيروقراطية.

أما ما بقي من حلول وسياسات اقتصادية فهي تنطلق من مبادئ وأساسيات تدور حول استعادة دور الدولة الاقتصادي، وتتكامل مع سياسات أخرى، ومع سير العمليات العسكرية لإبراز قوة الدولة الاقتصادية إلى جانب قوّتها العسكرية.

من هنا يجب العودة إلى أمرين أساسيين، هما:

1- إعادة تفعيل دور مؤسسات التجارة الداخلية والخارجية، وتكليفها باستيراد أهم الموارد الحياتية والقيام بدور (احتكار) (نعم احتكار) تجارة الجملة لهذه المواد، والقيام بتوزيعها عن طريق البطاقة التموينية، مع مضاعفة الكميات المخصصة لكل فرد وعائلة، ولا خوف من أن يبيع ما يفيض عن الحاجة في السوق.

2- استخدام احتياط النقد الأجنبي (حصراً) لهذا الغرض، أي بغرض قيام مؤسسات الدولة بتمويل استيراد المواد الحياتية الضرورية، وفيما عدا ذلك المحافظة على احتياط النقد الأجنبي، ما أمكن لتدعيم الوضع النقدي.

ضمن هذين الأمرين تنصبُّ الجهود نحو:

– تنشيط تجارة التجزئة الحكومية والتعاونية وتوسيع تشكيلتها السلعية، لتكون رديفاً فعّالاً وعامل توازن لعرض المواد والسلع في الأسواق..

– إيجاد التنسيق الفعّال للسياستين النقدية والمالية، والعمل على استمرار التوازن بين هاتين السياستين وتعاونهما معاً من أجل تخفيض التضخّم، وإيجاد الموارد المالية لخزينة الدولة، واستخدام الضرائب والرسوم للأغراض الاقتصادية والمالية والاجتماعية بآنٍ معاً.

– استمرار دعم المواد الحياتية عند البيع للمستهلك، وكذلك استمرار دعم الطاقة المخصصة للمعامل وشركات النقل والآليات الزراعية.

– مساعدة القطاع الصناعي العام والخاص على إعادة تشغيله، وتأمين مستلزماته الإنتاجية، والعمل على حمايته أمنياً ما أمكن ذلك، ذاتياً، وبدعمٍ من قواتنا المسلّحة. ومساعدة هذا القطاع على تصريف منتجاته عن طريق مؤسسات التجارة الحكومية، إذا رغب في ذلك، أو عن طريق القطاع الخاص التجاري.

– إيلاء الأهمية للقطاع الزراعي بشقّيه النباتي والحيواني، والعمل على معاودة النشاط الزراعي ضمن أفضل الظروف الأمنية.

إن النجاح في تنفيذ هذه المتطلّبات سيكون مرهوناً بتوفّر العناصر البشرية المؤمنة بأهمية المرحلة والتي تحظى بالشعور بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية، ولا بد أن يرافق ذلك سلوك حازم في الحد من الفساد وتفكيك شبكاته.

المرحلة الثانية: هي مرحلة ما بعد الأزمة، والتي تحتاج منذ الآن إلى التحضير لوضع الأهداف والوسائل والآليات لاعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية تتلاءم وتتناسب مع احتياجات النهوض ومعالجة الآثار الكارثية التي خلّفتها الأحداث العسكرية، والعدوان الذي قاد إلى شيوع ظاهرة النهب والسرقة.

ولعلّ أول الإجراءات المطلوب تحقيقها هو العمل على إلغاء العقوبات الاقتصادية العربية والأجنبية، وإعادة الاعتبار لدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، والعودة إلى المسار التنموي جنباً إلى جنب مع إعادة الإعمار للبنى التحتية والمساكن، وبواسطة سياسات اقتصادية واجتماعية وفق المنظور الآتي:

إعادة النظر بجميع السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية والتجارية التي أُقرت ونُفّذت في مرحلة ما قبل الأحداث، وإعادة رسمها على أسس جديدة تنطلق من دور الدولة التنموي، ومن مقولة (النمو والازدهار مع العدالة الاجتماعية).  لا يعني تفعيل مؤسسات التجارة الحكومية إلغاء أو إغفال دور القطاع الخاص، بل لا بد من إيجاد السبل لكسب القطاع الخاص التجاري إلى جانب الإجراءات الحكومية الجديدة، والمحافظة على دوره في السوق.

إيجاد التوازن ما بين التخطيط والسوق، فبعد أن تبين فشل اقتصاد السوق والدور الذي لعبه في تهيئة مناخ الحركات الاحتجاجية والتي فتحت الأبواب أمام التدخّل الخارجي، وبعد أن تبيّن أن الدولة غير قادرة وحدها على تحقيق التنمية و القيام بدور المحتكر للنشاط الاقتصادي، فإن الطريق الأفضل هو التلاحم والتنسيق ما بين دور الدولة ودور القطّاع الخاص.

يستلزم النهج الاقتصادي العقلاني الجديد إعلاء شأن العمل المنتج، والعودة إلى إيجاد الأسس اللازمة لإصلاح القطاع العام الصناعي وتطويره، إلى جانب الوقوف على معوقات القطاع الصناعي الخاص، والعمل على إزالتها وتنسيق الجهود ما بين القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق نهضة صناعية حقيقية تفتح مجالات العمل من جديد للعناصر الشابة.

العمل على تحقيق الأمن الإنساني، بفروعه المختلفة وخاصة الأمن الغذائي، وبضمن ذلك التركيز على الإنتاج الوطني من الأغذية، وتحسين أداء الخدمات وبضمنها مياه الشرب.

وضع الأسس اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية واستخدام السياسات الاقتصادية والمالية لهذا الغرض.

جعل هدف مكافحة الفساد والقضاء على مظاهره من القضايا الملحة والدائمة.

إحداث هيئة عامة لإعادة إعمار البنى التحتية ومراعاة المتطلبات الاقتصادية والعملية من جهة، ومتطلبات الأمن القومي من جهة ثانية، ويجب أن تتمتع هذه الهيئة بكامل الصلاحيات بعيداً عن الروتين والبيروقراطية، وأن ترتبط برئاسة الجمهورية.

أخيراً: إذا كنا لا نقبل عِبَر الشعوب الأخرى ودروسها، فإن الأحرى أن نتعلم من تجربتنا الخاصة. ولعلّ أهم ما يمكن استخلاصه هو أن هدف أية سياسات اقتصادية يجب أن يكون: (الخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية)، ولعلّنا لا نبالغ عندما نقول بأن ذلك يتحقق فقط، عندما تسود علاقات المشاركة والقبول بالآخر، وإعادة الثقة إلى المجتمع وبين المجتمع والدولة، بواسطة عقد جديد أساسه الانتماء والمواطنة والعيش المشترك وسيادة القانون والدولة المدنية وتداول السلطة.

تبقى هناك ملاحظة ختامية، نرد فيها على من (يضخّم مسألة التمويل) ويعطيها أولية بهدف إعادة انتاج السياسات الاقتصادية الليبرالية، وإعادة ربط الاقتصاد السوري بأجندات وبرامج المؤسسات الدولية والاتحاد الأوربي. ومع اعترافنا بأهمية هذه المسألة وتأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار وإعادة دورات الأنشطة الاقتصادية المختلفة، إلا أننا (يجب) أن نرفض أن تكون هذه المسألة عائقاً أمام البرنامج الوطني لإعادة الإعمار وإعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى مستواها المطلوب. والحل الذي نراه هو تأكيد استقلال القرار الاقتصادي الداعم للقرار السياسي. ولسورية أصدقاء كُثر، كما أن سوق الاستثمار العالمي واسع ومتعدد الانتماءات، فضلاً عما لدينا من موارد بشرية وطبيعية (مكتشفة أو غير مكتشفة حتى الآن في البر والبحر) يمكن عن طريق سلامة السياسات ونزاهة المشرفين عليها، أن تؤمن الموارد المالية اللازمة للنهوض الاقتصادي التنموي في مرحلة ما بعد الأحداث.

ونشير هنا بوجهٍ خاص إلى إعادة الأموال التي هُرِّبت إلى الخارج، وإلى أموال المغتربين، وإلى القروض الميسّرة التي يمكن الحصول عليها من الدول الصديقة وإلى مصارف الاستثمار في كل من دول منظمة (شنغهاي) ودول (البريكس) ونؤكد أن لا يقنعنا أحد بأن مسألة التمويل ستكون عائقاً أمام النهوض الجديد في سورية.

 

(*) قدمت إلى ندوة الاتحاد العام لنقابات العمال بتاريخ 24/7/2013

العدد 1104 - 24/4/2024