كما في أوكرانيا كذلك في المنطقة العربية حرب باردة بين الشرق والغرب تؤججها واشنطن
ثمة علاقة وثيقة بين الأوضاع الراهنة في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط، مايشير إلى حالة من التطابق بين السيناريو الأمريكي المزدوج الخاص أحدهما بمنطقة والآخر بالثانية، مايؤكد حقيقة أنه كما في المنطقة العربية كذلك في أوكرانيا، وخاصة بعد ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية المباشر في تأجيج أوضاع المنطقتين وإقدامها بصورة عملية على تسليح وتدريب مجموعات أوكرانية غير تابعة للسلطة الأوكرانية ومن جنسيات أخرى بينها عناصر أمريكية يجري تمويلها من الكونغرس الأمريكي وتأتمر بما تمليه عليها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
على غرار ذلك، تقوم واشنطن بتدريب وتسليح مجموعات مسلحة في كل من سورية واليمن والعراق ومصر وليبيا، بغية النيل من أمن واستقرار المنطقة العربية، وما يعنيه ذلك بطبيعة الحال ومايقدمه من خدمة للأهداف الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية المتمثلة بالعمل على محاصرة روسيا، وممارسة المزيد من الضغط عليها عبر تشديد العقوبات الأوربية على الاتحاد الروسي، وخلق حالة متصاعدة من التوتر بين موسكو والاتحاد الأوربي، وإحاطة روسيا بحزام من عدم الاستقرار من جهة، وتمكين الكيان الإسرائيلي من إحكام هيمنته على كامل المنطقة العربية من خلال محاصرة سورية والنيل من موقفها المبدئي ومعها قوى المقاومة في التصدي للمشروع الصهيوني وخدمة القضية الفلسطينية.
وفي موازاة ذلك يبدو واضحاً (على الأقل) حتى الآن استمرار الإدارة الأمريكية في الذهاب باتجاه عرقلة الجهود السلمية لحل الأزمة الأوكرانية وفق اتفاق مينسك الذي يتضمن الأسس الكفيلة بذلك، ودفع السلطات الأوكرانية باتجاه تصعيد المواجهة المسلحة بين السلطة الأوكرانية وجمهوريتي لوغانسكودانتسيك، وفي الوقت ذاته تعرقل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال عملائها في كل من الرياض والدوحة وعمَّان وأنقرة، جميع المبادرات الصادقة المخلصة والرامية إلى وضع حدٍ لأزمات المنطقة العربية وإنهائها بالسبل السلمية.
لقد بات واضحاً تورط الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في محاولات تغيير نظم الحكم في عدد من دول المنطقة بما يكفل توسيع مناطق النفوذ فيها،عبر محاولات إشعال فتيل حروب أهلية عبثية وخلق أزمات عامة معقدة يمكن أن تؤدي إلى تفكيك تلك الدول وضرب وحدتها الوطنية، وتجاهل حقيقة أن ذلك ستكون له تبعات سلبية حتميةً على النظام العالمي من حيث عدم الاستقرار وزيادة حدة الصراعات الجيوسياسية وخلق حالة من الخلافات المتفاقمة بين الدول والتنافر بين القوميات وبين الطوائف والمذاهب.
يعيش عالمنا المعاصر حالة من الحرب الباردة بين الغرب والشرق، تتلخص مضامينها بالسعي الأمريكي الغربي الصهيوني لخلق إمبراطورية جديدة لاتغيب عنها الشمس من خلال خلط جميع الأوراق الخاصة بالعلاقات الدولية وخلق حالة متقدمة من الفوضى في تلك العلاقات، بينما يسعى الجانب الروسي لنزع فتيل الأزمات المصنعة أمريكياً، ويعمل من أجل خلق تفاهمات دولية من شأنها التصدي للأحلام الإمبراطورية الأمريكية وإيجاد حالة متقدمة من التعاون الدولي لما فيه الالتفات إلى متطلبات شعوب العالم الحيوية التي لا يمكن تحقيقها في ظل السياسة الاستعمارية التي تنتهجها الولايات المتحدة تجاه شعوب العالم، ومن دون أدنى شك فإن ما يجري الآن في أوكرانيا وفي سورية وبعض بلدان المنطقة العربية يدخل في فصول تلك الحرب الباردة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية من ما وراء البحار.
لكن إن أخذنا بالاعتبار فعالية منظمة البريكس والمضي العملي في توسيع إطار منظمة شنغهاي، وتفعيل الاتحاد الأوراسي الاقتصادي والتجاوب الإيجابي الكبير مع تطوير هذه المنظمات، بإمكاننا التفاؤل بأن الغرب الأمريكي الصهيوني سوف يصطدم بحائط مسدود، سيكون بمثابة صفعة مدوية تجعله يفيق من أحلامه وأوهامه التي لن تتحقق ولو طال زمنها، وسيكون الجيل القادم شاهداً على ذلك.