بمناسبة يوم المرأة العالمي

بعد أن جاب الإنسان الغاب آلاف السنين انتقل إلى الكهوف، وشكّل أول مجتمعٍ إنساني، وكان لا بد من تغيير السلوك الجنسي لتحافظ الجماعة على وحدتها، وبدأت أول المحرمات الجنسية بعد عادات الغاب الأولى التي يسيطر فيها الذكر القوي على التواصل مع الإناث، وفي ذلك يتحقق مبدأ البقاء للأقوى، كما تحض الذكر المراهق على الانفصال عن الأسرة وتشكيل أسرة جديدة يكون هو بالتالي فيها الذكر المسيطر لنشر النوع.

في الكهف كان لابد من فرض محرمات جنسية تضبط وحدة الجماعة، وكان أولها تحريم الجنس بين جيل الأمهات والآباء على جيل الأبناء والبنات، وفي ذلك العصر الغابر البعيد  قبل التاريخ المدون بآلاف السنين  وعندما اكتشف الإنسان فكرة الألوهية! كانت الآلهة أنثى لأنها رمز الخلق والعطاء، وكانت تماثيلها في الأحافير الأثرية تمثلها كبيرة الحوض والردفين ضخمة الثديين رمزاً للخصب والعطاء، ثم تطورت العادات الجنسية وزادت المحرمات تدريجياً وللهدف نفسه، وهو الحفاظ على وحدة الجماعة.

ومع استقرار الإنسان واكتشافه للزراعة وجد الفائض ونظم تخزينه، وتنوع العمل وبدأ التخصص فيه، ظهر في التماثيل التي تمثل الآلهة الإله الذكر مع الإله الأنثى، بادئ الأمر بحجم طفل صغير يتعلق بثدييها دلالة على أهميته الثانوية في المجتمع الإنساني آنذاك، ثم فيما بعد بحجمها وبجانبها، كان في البداية طفلها ثم زوجها وشريكها، ثم مع بدئ التاريخ أخذ بالتفوق عليها حجماً وأهميةً، وفي الأساطير السومرية التي وصلتنا تصدرت الآلهة الذكرية المعابد والآلهة الأنثى كانت تابعةً له، ولم يجر هذا التحول فجأة، بل استغرق ما يقارب الألف عام، غدا بعدها الذكر هو المسيطر اجتماعياً على كل شيء وعلى المرأة أيضاً، وبدأ عصر ظلم المرأة بل واحتقار أنوثتها أيضاً.

ولم تكن الحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية أحسن حالاً بالنسبة للمرأة، فلم يقيما لها أي وزن، وكان التعامل معها ككائن تابع لا حقوق له على الإطلاق.

أما الأديان السماوية فقد كيَّفتها الثقافة الذكورية لمصلحة الرجال، لزيادة إخضاع المرأة والسيطرة عليها.

بدأت أول حركة تنادي بإعطاء المرأة حقوقها في أوائل القرن الخامس عشر في فرنسا من خلال كتاب (مدينة السيدات) سنة ،1405 للشاعرة الفرنسية (كريستين دو بيزان)؛ الذي دافعت فيه عن حقوق المرأة في مواجهة ما كان ينشره الرهبان ورجال الكنيسة عن احتقار المرأة والتقليل من شأنها.

 وكان معظم ما تطالب به النساء وقتذاك مطالب مشروعة وأساسية، كحق الملكية الفردية وحق التصرف في ما تملك وحق التعلم.

 ثم ألفت ماري دو كروناي كتاب (المساواة بين الرجل والمرأة) عام ،1622 وطالبت فيه بحق المرأة في التعليم.

 أما في عام 1791فنشرت الكاتبة الفرنسية أوليمب دو غوج بعد سنتين من الثورة إعلاناً حول حقوق المرأة كان سببًا في الحكم عليها بالإعدام فوق منصة المقصلة عام 1793 بتهمة مناهضة الثورة.

وبالرغم من أن أغلب ذلك الزخم كان في فرنسا إلا أن الدائرة اتسعت لتشمل كذلك بريطانيا، وقد كانتا أهم منطقتين في أوربا آنذاك.

وقد ألفت البريطانية ماري وولستونيكريفن كتاب (الدفاع عن حقوق المرأة) عام 1792 الذي يعتبر أصلاً للحركة النسائية العالمية.

ثم بدأت تتصاعد على نحو أكبر قضية حقوق المرأة حتى بين العديد من الرجال الأوربيين المنصفين؛ والذين كان من أشهرهم الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل الذي دافع بقوة عن الحقوق المشروعة للمرأة وعارض الممارسات اللا إنسانية ضدها.

 ظلت أصوات المدافعين عن حقوق المرأة ترتفع شيئًا فشيئًا وأخذت تحصل على بعض حقوقها، ففي فرنسا، جرى التصديق على القانون الذي ينص على إدماج الفتاة في التعليم عام ،1805 كما حصلت السيدات المتزوجات في بريطانيا على حقهن في الملكية وحق التصرف في مالهن الخاص عام 1882؛ أما بالنسبة للمرأة العاملة غير المتزوجة فحصلت عام 1907 على حق التصرف في راتبها، وذلك في بريطانيا ودول شمال أوربا.

 أما الحقوق السياسية للمرأة فلم يعترف بها في بريطانيا إلا في عام ،1928 وفي فرنسا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكذلك فإن الدستور الألماني لم يذكر المساواة بين الرجل والمرأة في تولي المناصب كافة إلا في عام 1949.

وأخيراً في عصر العولمة، هل حصلت المرأة على كل حقوقها؟ الحقيقة لا.. ليس كلها! ما زال المجتمع الذكوري وفي كل المجتمعات  ولكن بنسب متفاوتة  ينظر إليها نظرة دونية، ومازالت الجمعيات النسوية تكافح من أجل.. (المساواة)! وإن كان البعض يدعو إلى (التكامل). ومع تقدم الحضارة اكتشف الرجل أيضاً أن تحرره مرتبط بتحرر المرأة ولا يمكن أن يتم دونه، وعليه أن يناضل معها من أجل تحررها وبالتالي تحرره هو.

العدد 1102 - 03/4/2024