لامنطقة عازلة في الشمال السوري…توجه تركي لنقل الحرب إلى أوربا عبر مجموعات إجرامية تهدد أمن مجتمعاته

 على الرغم من إخفاقهما في تنفيذ المخطط الرامي للنيل من الدولة السورية تواصل أنقرة وواشنطن، ومعهما السعودية وقطر وبعض البلدان الخليجية، محاولاتهما التآمرية المتمثلة في جانب منها بالعودة إلى مسألة إقامة منطقة على الحدود السورية التركية تشكل قاعدة انطلاق فصل جديد من المؤامرة، موجه من جهة ضد السيادة السورية على أراضيها، ومن جهة ثانية موجه ضد بلدان الاتحاد الأوربي، سوف تدفع القارة الأوربية ثمنه غالياً من أمنها واستقرارها وواقعها الديموغرافي.

فعلى الرغم من كل الادعاءات والمزاعم التي تطلقها تركيا وواشنطن بشأن محاربتهما لتنظيم داعش، تواصل الأولى بدعم وإسناد من الثانية دعم هذا التنظيم وتوسيع إطار وجوده وخاصة في محاذاة الحدود السورية التركية، مع ملاحظة تمكّن تنظيم (داعش) من توسيع رقعة وجوده في بعض المناطق الحدودية الشمالية على حساب المجموعات المسلّحة التي سبقَ لها أن أخلت مناطق وجودها وسلمتها إلى تنظيم داعش تنفيذاً لأوامر الأتراك والأمريكيين داعمي تلك المجموعات.

وفي هذا الإطار تواصل تركيا العمل على دفع المجموعات المتطرفة للانسحاب من مواقعها في شمال سورية إلى مناطق أخرى في الداخل السوري، وبالتالي دفع (داعش) للحلول مكانها، ما يعني من حيث النتيجة رفع وتيرة التهجير السكاني من تلك المناطق إلى تركيا ومنها إلى بلدان القارة الأوربية وما يستتبعه ذلك من تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية على المجتمعات الأوربية، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار اعتقاد الكثير من المحللين الاستراتيجيين والخبراء في الشؤون العسكرية والدولية، بأن من شأن هذا التغيير في مواقع التنظيمات المتطرفة أن يخدم الهدف التركي الأمريكي الخليجي المتمثل بإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية، ويؤدي إلى دفع المزيد من المهاجرين من مناطق سيطرة داعش في الشمال باتجاه الأراضي التركية، ومنها وبتسهيل مباشر من الاستخبارات التركية لعبور هؤلاء المهاجرين إلى البلدان الأوربية، بما فيهم من مجموعات إرهابية إجرامية سوف تستخدمهم تلك الاستخبارات للقيام بعمليات إجرامية في تلك البلدان، ما يستدعي من البلدان الأوربية التحسب لعمليات محتملة، والتهيؤ لمواجهتها من خلال إجراءات استباقية للحيلولة دون أية عمليات إجرامية من شأنها ضرب الأمن والاستقرار الأوربي بشكل عام، آخذة بالاعتبار احتمال انتقال الحرب إلى القارة الأوربية قريباً،إذ يشكل مئات الألوف من اللاجئين إليها غطاءً لنقل آلاف المجرمين إلى الداخل الأوربي، مايعني انقلاب السحر على الساحر ليس فقط في الساحة التركية بل في الساحة الأوربية أيضاً.

في سياق آخر تجدر الإشارة إليه باهتمام، مفاده أن واشنطن بعد أن أخفقت في برنامجها تدريب وتسليح ما أسمته (معارضة معتدلة)، تذهب حالياً باتجاه تسليح وتجهيز مجموعات متطرفة مقاتلة موجودة أصلاً على الأرض السورية، فقد كشف مسؤول عسكري أمريكي النقاب عن أن الطائرات الأمريكية ألقت مؤخراً نحو خمسين طناً من الذخائر إلى المتطرفين من بينها صواريخ (تاو) المضادة للدبابات على أن تصل دفعات جديدة منها تباعاً، فيما أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن معظم (صواريخ تاو) التي يتم تزويد المقاتلين بـها، والتي بلغ عددها خمسمئة صاروخ حسب مصادر متابعة، يؤتى بها من مخازن الأسلحة في السعودية إلى تركيا ومنها إلى سورية مدموغة بموافقة الاستخبارات الأمريكية (سي.آي.إي).

ويأتي هذا الدعم العسكري الأمريكي السعودي النوعي الجديد للتنظيمات المسلحة المتطرفة،بهدف تحسين ظروف المجموعات الموجودة في مناطق الشمال الغربي لسورية، وبشكل خاص تلك المجموعات التي تتحرك انطلاقاً من الأراضي التركية والتي يتحول بعضها مع أسلحته إلى جبهة النصرة والبعض الآخر مع أسلحته إلى تنظيم داعش، وهذا ماحدث في أوقات سابقة، فقد جرى تسليم أسلحة وعتاد العديد من المجموعات المتطرفة المسلحة إلى تنظيمي النصرة وداعش عقب مبايعتهما تحت سمع وبصر وموافقة الاستخبارات التركية والأمريكية والسعودية، وذلك بعد أن قامت تلك المجموعات بتسليم ما حصلت عليه من سيارات التويوتا إلى تنظيم داعش، مايؤكد بشكل قاطع حقيقة التعاون والتنسيق القائمين بين الاستخبارات التركية من جهة و داعش والنصرة ومختلف المجموعات المسلحة المتطرفة الأخرى من جهة ثانية.

ثمة ماتجدر الإشارة إليه، أن المحاولات التركية الرامية لإقامة منطقة عازلة على الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية سوف تبوء بالفشل الذريع وتسقط، حسب مايراه المحللون السياسيون والأمنيون، الذين يرون أيضاً أن تفاقم مسألة هجرة اللاجئين إلى القارة الأوربية عبر تركيا، قد خلق أزمة حادة بين أنقرة والعديد من العواصم الأوربية التي باتت على قناعة بأن من شأن ذلك إلحاق الضرر الكبير بالأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأوربي، والإضرار أيضاً بالتوازن الديموغرافي في المجتمع الأوربي عموماً، وهذا ما بدأت ملامحه بالتمظهر في بعض البلدان الأوربية، وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى خلق تيارات قومية داخل البرلمان الأوربي وبرلمانات كل بلد أوربي على حدة مناهضة بشدة لتدفق اللاجئين إليها ما قد ينعكس سلباً على كيان الاتحاد الأوربي نفسه في المستقبل.

ولعل التفجير الكبير المزدوج الذي وقع في العاصمة التركية مؤخراً وأودى بمئات القتلى والجرحى، يشكل إنذاراً عملياً للحكومات الأوربية من احتمال أن تتجرع مجتمعاتها من الكأس المرة التي حاولت أن تسقيها لسورية، بالسياسات الأوربية غير المتوازنة التي تعتبر رجع الصدى للسياسة الأمريكية تجاه منطقتنا العربية، تلك الكأس المرة التي بدأ المجتمع التركي تجرعها بسبب السياسة المعادية الخرقاء التي يمارسها الثنائي التركي التابع لواشنطن (أردوغان/أوغلو) على الصعيد الإقليمي والموجهة أساساً ضد سورية.

خلاصة القول، إن صمود سورية على مدى نحو خمس سنوات من خلال بطولات الجيش العربي السوري وتضحياته الجليلة، والتفاف الشعب السوري حول قواته المسلحة الباسلة، ودعم الأصدقاء الأوفياء لسورية وفي مقدمتهم روسيا الاتحادية وإيران وحزب الله، قد أسقط المؤامرة،وأفشل المخططات الأمريكية الأوربية الخليجية الإسرائيلية الموجهة ضد سورية والمنطقة العربية والساحة الإقليمية عموماً.

العدد 1102 - 03/4/2024