عمل قاسٍ ورواتب غير مشجعة.. وتعويضات خجولة! معاناة عمال الأفران الآلية
في مخبز جرمانا عدد العمال 80 عاملاً وبضمنهم الإداريون، عدد المياومين 35 والمثبتون 45.
وأكد السيد محمد هاني مال (مدير فرع ريف دمشق للشركة العامة للمخابز) أن أبرز مشكلات المخابز الآلية هي دوران اليد العاملة، وتبدّلها، وأعاد ذلك إلى أن الرواتب غير مشجعة، وكذلك إلى ضعف الحوافز، وقلة التعويضات (الإضافي – طبيعة العمل).. والأهم أن العمل قاسٍ والدوام بنظام الورديات، ورغم ذلك لا يتقاضى العاملون في المخابز تعويض الأعمال الخطرة والشاقة.
هذا الواقع المتبدل يترك دون شك انعكاساً على مستوى الأداء والخبرة والإتقان، وهو ما نجد التعبير الأوضح عنه في أن الرغيف الذي تنتجه المخابز الآلية ليس بالجودة نفسها للرغيف المنتج في المخابز الخاصة والاحتياطية.
وقال السيد محمود حورية، مدير الفرن الآلي في جرمانا: حالياً سيكون التعيين عن طريق مسابقة تجريها وزارة الشؤون الاجتماعية، وآمل أن تجري سريعاً مسابقة للتعيين في المخابز، حتى يتاح لنا تثبيت من يتقدم إليها من عمالنا الذين يريدون أن يستمروا في العمل. وأضاف: أنا أعرف أن العامل المثبت يشعر بالأمان أكثر من العامل المؤقت، ولذلك فإن عطاءه أفضل، ولا ألوم العامل المؤقت، فهو إما ينتظر فرصة عمل أفضل، أو أنه ينتظر حتى يكسب خبرة لدينا، فينتقل للعمل في فرن خاص.
الإنتاج والمنتجون
ينتج الفرن الآلي في جرمانا، الذي يتضمن خطّي إنتاج، 23-25 طناً يومياً، وفيما مضى (في فترة أزمة الخبز)، كان إنتاجه يصل إلى 30 طناً. توجد صالة بيع بجانب مدخل الفرن، تبيع الخبز مباشرة للمواطنين، ويعمل فيها ثلاثة بائعين (واحد صباحاً، والثاني بعد الظهر، والثالث ليلاً)، ويصل ما تبيعه على مدار اليوم إلى خمسة عشر ألف ربطة. فإذا ذهبت في أي وقت إلى الفرن لشراء الخبز أو مررت بجانبه، ستلاحظ رتلاً أو أرتالاً من المواطنين يتراوح عددهم بين عشرة وبضع عشرات ينتظرون دورهم للحصول على ربطة أو اثنتين، وبالحد الأقصى لا تبيع الصالة أكثر من ثلاث ربطات للمواطن الواقف في الدور، وربما لهذا الوضع لا يوجد حول الفرن الآلي في جرمانا الظاهرة التي يلاحظها المواطنون حول الأفران الآلية أو الاحتياطية بدمشق حركة بيع أو باعة صغار أو كبار يبيعون الخبز لمن لا يريد أن ينتظر في الدور، بزيادة خمس أو عشر ليرات أو أكثر على الربطة.
ويتبع للفرن خمسة أكشاك، أربعة منها موزعة في أحياء جرمانا، والخامس في مخيم جرمانا، يبيع كل منها يومياً نحو 500 ربطة، وإذا لزم الأمر يتصل العامل في الكشك بالفرن، فيرسلون إليه كمية إضافية. وقد علمنا أن في الفرن سيارة خدمة واحدة توزع الخبز إلى الأكشاك في الصباح الباكر (تبدأ التوزيع الساعة 4 صباحاً).
ورديتان لا ثلاث (11 ساعة عمل وسطياً)
الثمانون عاملاً في الفرن الآلي، خمسة منهم إداريون و30 عمال إنتاج، و13 عمال خدمات، و4 سائقون، و26-28 مساعدون، وهؤلاء يعملون في ورديتين، الأولى تبدأ عملها 7 صباحاً حتى4 بعد الظهر، والثانية تبدأ من 6 مساء حتى 7 صباح اليوم التالي.. وذلك لأسبوع، وفي الأسبوع التالي يجري تبديل بين الورديتين، أي أن العامل يعمل 9 ساعات نهاراً في أسبوع و13 ساعة ليلاً في الأسبوع التالي.
حين زرنا الفرن يوم الأحد مساء، أخبرنا أحد قدامى العمال أن في الوردية الآن 22 عاملاً على خطَّي الإنتاج، ونصفهم مياومون، يضاف إليهم سائق وحارس ومساعد أمين مستودع، ورئيس الوردية، وفنيَّان. وأضاف: أحياناً في الظروف الصعبة يمكن أن يستمر عمل الوردية 24 ساعة متواصلة.
تعويضات زهيدة
سألته: وماذا يُحسب للعامل بعد كل هذا الدوام الطويل؟
فقال لي: يحسب له ساعتان عمل إضافي.
* وكم يتقاضى العامل تعويضاً عن هذا العمل الإضافي؟
** يتقاضى العامل من الفئة الرابعة أو الخامسة 1300 ليرة شهرياً، وإذا كان من الفئة الثانية 2200 ليرة شهرياً، وهذه الفئة تضم الفنيين ورؤساء الورديات.
* وماذا عن الحوافز؟
** قيمة الحوافز تقريباً معادلة لقيمة العمل الإضافي لمعظم العمال، أما المدير والفني ورئيس الوردية فتصل قيمة حوافز كل منهم إلى 2600 ليرة شهرياً.
* وهل تتقاضون تعويض طبيعة العمل؟
** ابتسم العامل القديم ابتسامة باهتة وقال: تعويض طبيعة العمل نقبضه كل ثلاثة أشهر مرة، بمعدل 200 ليرة شهرياً، فإذا حسمت منها الضرائب والرسوم فإن العامل يقبض تعويض طبيعة العمل كل 3 أشهر مبلغ 450 ليرة!
حقيقة مرّة.. في القرن 21
وعندما سألت العامل القديم عن (وصل اللباس)، كتم ضحكة ودمعة وقال:
كانت قيمة وصل اللباس 3000 ليرة قبل عام 2000 وبعد ذلك تراجعت قيمته إلى 900 ليرة، وهذا نستلمه مرتين في السنة (شتوي – صيفي).
تخيلوا قراءنا الأعزاء أن العامل سيأخذ إيصال اللباس بقيمة 900 ليرة، في القرن الحادي والعشرين، وفي سورية التي نكبتها الحرب منذ أربع سنوات، ليشتري قميصاً، فيكتشف أن قيمة الوصل تغطي نصف قيمة القميص أو ثلث قيمة البنطال!
أنصفونا.. أنصفونا!
يرتاح العاملون في الأفران الآلية يوماً واحداً في الأسبوع هو يوم الجمعة، ويعملون يوم السبت دون أن ينالوا أي تعويض أو مقابل عن ذلك، وأكثر من هذا، فالعمال يعملون في أيام العطل الرسمية والأعياد كلها، ولا ينالون عن كل ذلك تعويضاً ولا مكافأة، وللحقيقة فهم يعطّلون عدا أيام الجمعة يوماً في عيد الفطر ويومين في عيد الأضحى.
ورغم كل هذه الأوضاع التي يعانيها العمال، فإنهم بصفة عامة يبذلون جهدهم ليبقى إنتاج أفرانهم مستمراً، وليجد المواطنون خبزهم بيسر، ولا يمكن أن نلومهم على ما ليس في وسعهم القيام به، ولكن لسان حالهم يقول: أنصفونا.. أنصفونا!
ونحن في (النور) نرى أن إنصافهم، تثبيتاً وزيادة مجزية في التعويضات كلها والحوافز، ومنحهم بدلاً عادلاً عن أيام العطل والأعياد التي يعملون فيها، سينعكس إيجاباً على صناعة الرغيف الذي نريد له أن يعود باسماً وناضجاً، وأن يعود خطاً أحمر!