هل ستفلح السعودية في النجاة من فخ الحرب التي تشنـّها على اليمن؟
لا يختلف اثنان على أن اليمن الذي كان قبل بضعة آلاف من السنين سعيداً، يوم كانت أرجاءٌ عدة من دنيا البشر تعاني العوز المدقع والحياة اللاإنسانية، قد بات في عصرنا الراهن ليس فقط غير سعيدٍ!!!
بل يعيش تحت وطأة حرب ظالمة وكارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، افتعلتها الإمبريالية الأمريكية والرأسمالية الغربية المتوحشة بغية السيطرة على ما تمتلكه الأرض اليمنية الطيبة من مزايا جيو سياسية وثروات نفطية وبترو سياسية وموقع استراتيجي عند الزاوية الشرقية الجنوبية لمضيق باب المندب الذي يعتبر ممراً رئيسياً في هذه المنطقة لحركة الشحن النفطية على طول البحر الأحمر.
ولا يحتاج أي مراقبٍ لأي جهد، لاكتشاف جملة من الحقائق والوقائع التي تحيط بالمسألة اليمنية، والتي أدت تداعياتها إلى توسع تنظيمَي داعش والقاعدة السرطاني في الجغرافيا اليمنية بدعم سعودي قطري،
فيما تواصل الاستخبارات المركزية الأمريكية تنفيذ مخططها الخاص باليمن بالاستناد إلى شمّاعة هذين التنظيمين الإرهابيين، ما يزيد من تضحيات الشعب اليمني، ويرفع من وتائر التخريب والتدمير الممنهج والمتعمد للبنى التحتية، ويفاقم الوضع الإنساني الكارثي في البلاد الذي كان من أسوأ نتائجه تفشي وباء الكوليرا في العديد من الأرجاء اليمنية، وانهيار المؤسسات الصحية في البلاد.
ولاشك أن الكارثة التي تحيق باليمن الآن قد شكلت عاملاً مساعداً للتوسع القاعدي والداعشي ولتأثير هذا التوسع في المجتمع اليمني، وهو تأثير تمثل في بعض جوانبه بارتفاع عدد الملتحقين بالتنظيمين من أبناء اليمن بدوافع مختلفة أهمُّها الحالة المزرية التي يعيشها اليمنيون، مع الأخذ بالاعتبار قيام السعودية بنقل المسلحين من داعش والنصرة من سورية إلى اليمن عبر تركيا،
في ضوء حاجة السعودية إلى رفد هذين التنظيمين بالمزيد من القوة البشرية، ودفعهما باتجاه السيطرة على شواطئ اليمن الجنوبية الغربية، وفصل جنوب اليمن عن شماله، بما يوفر السبل الكفيلة بتزويدهما بالمزيد من الإمدادات العسكرية واللوجستية ويمكّنهما من السيطرة على حقول النفط اليمنية وبيعه في السوق السوداء على غرار ما حصل في سورية في أوقات سابقة، وبالتالي وضع مضيق باب المندب بتصرف الوكيل السعودي الخليجي، ومن ثم بتصرف الأصيل الأمريكي.
من هنا يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد من رأس حربتها السعودية السيطرة على باب المندب وخليج عدن وجزر سوقطرة، لتتمكّن من استلامها منها ووضعها ضمن مناطق نفوذها، وهو هدف استراتيجي تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقه من وراء حرب الإبادة الظالمة التي تشنها السعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر على الشعب اليمني.
وفي هذا الشأن يرى الخبير الجيوسياسي داريوس ناظم رويا في المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية، أن الرياض كانت ولا تزال تخشى من أن يصبح اليمن موطئ قدم استراتيجي لكل من روسيا والصين وإيران، وأن تؤدي الأحداث هناك إلى ثورات جديدة في شبه الجزيرة العربية ضد آل سعود.
ويؤكد الخبير داريوس أن دعم الولايات المتحدة للسعودية في الحرب على اليمن هو في الأساس من أجل التحكم والسيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن وأنابيب النفط، فيما رأت الخبيرة الجيوسياسية كاثرين شاكدام، في تقرير تحليلي نُشر على موقع (مينت برس) الأمريكي، أن السعودية التي تدّعي أنها تقاتل من أجل الديمقراطية في اليمن، إنما تؤكد من خلال ممارسات التحالف السعودي الوحشية جانباً آخر لهذه القصة وهو السيطرة على ممرات النفط.
ورأت شاكدام، أن الرياض منذ بداية هذه الحرب ضد اليمن الفقير، قد زعمت أن الهدف من تدخلها العسكري هو استعادة الحكومة الشرعية ووضع نفسها على أنها الفاعل المسؤول لحماية التوازن داخل المنطقة. في حين يؤكد الواقع، حسب شاكدام، أن اليمن يمثل الكثير من الجائزة الجيوسياسية للرياض، ما يجعل السعودية تعتبر أن اليمن بالنسبة إليها أشبه ما كانت الهند بالنسبة للتاج البريطاني في القرن التاسع عشر، لأن اليمن يشكل المفتاح الجيوستراتيجي لتوجيه النفط في العالم، عن طريق باب المندب.
وفي تقرير منفصل قال موقع (مينت برس) الأمريكي:
(على الرغم من أن السعودية التي استنفدت الكثير من مواردها في حربها ضد اليمن، ترقص على أنغام جنون العظمة السياسية والدينية، وإصرار وسائل إعلامها وشركات الرياض الدعائية اللوبية في أنحاء العالم على أن منشأ حرب اليمن هو صراع طائفي، حتى وإن كان على حساب إراقة دماء أكثر شعوب المنطقة فقراً)، ويرى الموقع الأمريكي أن كل هذا إنما لتغطية الطموحات الجيوسياسية الحقيقية، والسباق للسيطرة على مضيق باب المندب، طريق النفط إلى العالم، وأن الدعم الأمريكي للسعودية هو في الأساس إنما يهدف للسيطرة على خط أنابيب حضرموت والموارد المائية في اليمن، في منطقة يعتبر التصحر فيها مسألة تتعلق بالأمن القومي.
في المنحى ذاته كشف موقع (ميدل إيست آي) البريطاني النقاب عن برقية سرية يؤكد فيها مسؤول حكومي هولندي أن طموح واشنطن للسيطرة على خطوط أنابيب النفط، يقف وراء الحرب السعودية على اليمن.
ويرى الموقع البريطاني أن واشنطن تعارض الديمقراطية في منطقة الخليج بأكملها، لأنها تسعى من خلال ذلك لاستقرار تدفق النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية، خاصة أن اليمن يمتلك إمكانات لم تستغل حتى الآن لتوفير مجموعة بديلة من طرق الشحن العابر للنفط والغاز لتصدير النفط السعودي بحيث لا تمر عن طريق إيران ومضيق هرمز.
والسؤال المطروح الآن: هل ستفلح السعودية في النجاة من فخ الحرب التي يبدو أن لا نهاية لها في اليمن؟؟ وخاصة بعد زيارة الرئيس ترامب للرياض، التي أثمرت توقيع صفقات أسلحة معها بقيمة 480 مليار دولار، ما يعني أن تلك الزيارة سوف تطيل أمد الحرب في اليمن حتى إشعار آخر.
وقد أجاب الكاتب والخبير الأمريكي توماس دبليو ليبمان عن هذا السؤال بقوله إن السعوديين لن يستطيعوا النجاة من فخ هذه الحرب التي تورطوا فيها، والتي يبدو أنها أوقعتهم في شر أعمالهم وباتوا يبحثون عن مخرج من حالة الارتباك التي سببتها لهم سذاجتهم، معتبراً أن المشكلة التي تواجه السعوديين الآن هي أن ما تهدف إليه واشنطن والرياض ربما لا يمكن تحقيقه على الإطلاق، فقد كان اليمن ولايزال عصياً على جميع محاولات التحكم به، ما دفع واشنطن والرياض لتعملا على تقسيمه بصورة عملية.
بقي أن نشير إلى أن تلك الحرب المتوحشة أسفرت حتى الآن عن أن أكثر من 19 مليون يمني أي أكثر من ثلثي السكان بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، في حين يصارع سبعة ملايين شخص شبح المجاعة، وأن نصف مليون طفل يمني يعانون من سوء تغذية حاد، فيما أدت الحرب إلى مصرع 1546 طفلاً، وتعرض 2450 طفلاً لإعاقة دائمة، فقد ارتفعت معدلات وفيات الأطفال بنسبة 70 % في حين ارتفع معدل سوء التغذية الحاد إلى 200%، وأدى استهداف المستشفيات والمرافق الصحية إلى افتقار 15 مليون شخص للرعاية الصحية، كما أدى تدمير مرافق المياه والصرف الصحي إلى تفشي الكوليرا ووفاة نحو 10000 طفل بسبب شحّ المياه النظيفة والخدمات الطبية منذ عام 2015.