الصهيونية العالمية خلقت داعش وكلفت الحلف الأطلسي حمايته ورعايته

 يوماً بعد يوم تتكشف براهين جديدة دامغة بما لايقبل الشك على أن الغرب الصهيوني الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتحدد بوصلته، هو من صَنَعَ تنظيم داعش ليكون الأداة الميدانية لوضع فكرة (الفوضى الخلاقة) التي ابتدعتها الاستخبارات الأمريكية بخلفيتها وبعدها الاستراتيجي الصهيوني موضع التنفيذ في أكثر من مكان في العالم انطلاقاً من المنطقة العربية بتمويل سعودي قطري بالمال والسلاح والمرتزقة، ودعم لوجستي تركي وغطاء أمريكي مفضوح.

ولم يعد خافياً لدى أبسط الناس أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها من الدول العربية والإقليمية والأوربية والغربية عموماً، هي التي صنعت القاعدة وطالبان في أفغانستان وباكستان في الثمانينيات وزودتهما بالمال السعودي وشحنتهما بالفكر الوهابي، وهي أيضاً من خلقت داعش وتسخره الآن لضرب أية دولة في العالم تناهض السياستين الأمريكية والإسرائيلية وتواجه الاستراتيجية الصهيو أمريكية.

وإذا كان ما تقدم لا يكفي لإثبات حقيقة الدور الأمريكي في صنع داعش ودعمه، تكفينا العودة إلى مفاجأة من الطراز الثقيل سبق أن فجرتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون عبر مذكراتها (خيارات صعبة) حين اعترفت بقيام الإدارة الأمريكية بخلق داعش بهدف تقسيم الشرق الأوسط وتفتيته، قائلة إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي اتفقا في الخامس من آب 2013 على إعلان قيام داعش، ونا ننتظر هذا الإعلان لي نعترف نحن وأوربا بها فوراً. ولفتت كلينتون في مذكراتها إلى أنها زارت 112 دولة تم خلالها الاتفاق معها على الاعتراف بـ(الدولة الإسلامية فور إعلانها)، كما لفتت إلى أنه من خلال أعوان أمريكا من الإخوان في (الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وعمان) يمكن العمل على إعادة تقسيم المنطقة العربية بالكامل من الخليج إلى المحيط بما يسمح لأمريكا الس؟طرة على امل المنطقة وخاصة على منابع النفط فيها وعلى منافذها البحرية والتحكم بها.

إذاً، لقد شهد شاهد من أهله، ولامناص لواشنطن بعد هذه الشهادة من الاعتراف الكلي بأنها هي التي خلقت داعش مثلما خلقت القاعدة من قبل، مايعني أن الإدارة الأمريكية تمارس سياستها الرامية لإحلال حالة (الفوضى الخلاقة) في مختلف أنحاء العالم بما يخدم المشروع الصهيوني والاستراتيجية الصهيونية التي لاحدود معينة لها، مستندة في ذلك إلى دعم التنظيمات الإرهابية بالمال السعودي والقطري والسلاح الأمريكي، تلك التنظيمات التي باتت تضم عشرات آلاف المرتزقة من العرب والأتراك والأوزبك والشيشان والطاجيك والأوربيين.

وإذا كان لابد من التسليم بهيمنة العدو الإسرائيلي والدوائر الصهيونية في العالم على السياسة الأمريكية، فإن من بدهيات الأمور أن تكون الصهيونية العالمية وراء تكليف الإدارة الأمريكية بخلق داعش، ولاشك أن حالة الانسجام القائمة بينه وبين العدو الإسرائيلي، تؤكد مدى ارتباط الرجعية العربية والدوائر الغربية بالصهيونية العالمية، وأنها تعمل بأوامر منها، وخير مثال على ذلك، وجود داعش في الجولان وعلى مقربة من قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تقدم لهذا التنظيم السلاح والمساعدات اللوجستية ومعالجة جرحاه، فضلاً عن وجود ضباط إسرائيليين يخططون عمليات هذا التنظيم ويقودونها ضد الدولة السورية، مايعني أن العدو الإسرائيلي يعمل على محاربة سورية عبر هذا التنظيم بتغطية سياسية أمريكية علنية وتمويل سعودي قطري صريح، ومايعني بالتالي أن هذا العدو هو المستفيد الأول والأخير من وجود داعش ومن الوظيفة الموكلة إليها.

ويضاف إلى ماقالته كلينتون في مذكراتها، تلك الرسالة التي تلقاها سيادة الرئيس بشار الأسد من السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك، والتي يشكل ماجاء فيها دليلاً إضافياً على خلفيات العدوان الأمريكي الصهيوني الرجعي على سورية، فقد وصف السيناتور بلاك الحرب على سورية بأنها حرب غير قانونية فرضتها قوى خارجية بهدف فرض نظام عميل فيها عنوة وعبر استخدام القوة، مشيراً إلى أن الجنرال ويسلي كلارك القائد الأعلى السابق لقوات الناتو في أوربا كشف النقاب عن أنه في عام 2001 طورت القوى الغربية خططاً لقلب نظام الحكم في سورية، ومع ذلك وبعد خمسة عشر عاماً من أعمال التآمر العسكرية أخفق الناتو والسعودية وقطر في تحقيق أهدافهم، مطالباً الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على منح شعوب حلفائها السعوديين والقطريين والإماراتيين والكويتيين والأردنيين مثل تلك الحريات التي يتمتع بها الشعب السوري.

في ضوء ماتقدم، يمكن القول إنه لم يعد أحد يجهل مدى التزام الإدارة الأمريكية بدعم التنظيمات الإرهابية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر وكلائها في السعودية وقطر وتركيا والكيان الإسرائيلي، وبطبيعة الحال فإن الواقع يثبت هذه الحقائق، وكعادتها في عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تواصل الإدارة الأمريكية تقديم الدعم اللامحدود لتنظيم داعش على الرغم من تصويت مجلس الأمن بالإجماع على القرار رقم 2249 الذي يدعو الدول الأعضاء إلى القيام بكل ما في وسعها لمضاعفة جهودها وتنسيقها، لمنع الأعمال الإرهابية وقمعها، التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيما داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة.

هنا نكتشف مدى مراوغة الإدارة الأمريكية واتخاذها المواقف المتناقضة (توافق على أمرٍ ثم تعمل ضده) وتوزيع الأدوار على مسؤوليها وإطلاق التصريحات المتباينة في محاولة بالغة الغباء لاستغباء الدول والحكومات والشعوب التي باتت متيقنة من أبعاد ومرامي السياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه شعوب العالم كافة.

لقد أدركت الولايات المتحدة مدى الأزمة التي تعيشها الآن بسبب جملة من المستجدات سواء على الساحة السورية من خلال المساعدة الروسية للشعب السوري في تصديه للمؤامرة الإمبريالية والانتصارات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري، أو على الساحة العربية من خلال تطوير العلاقات المصرية الروسية وآفاق التعاون متعدد الجانب بين موسكو والقاهرة بعد سقوط محمد مرسي وحزب الإخوان المسلمين في مصر، أو على الساحة الإقليمية لجهة تزويد إيران بمنظومة صواريخ إس 300 الروسية ورفع مستوى التعاون بين موسكو وطهران إلى درجات أعلى وعلى أكثر من صعيد، تلك المستجدات جعلت الإدارة الأمريكية توعز لحليفتها الأطلسية تركيا بتوجيه رسالة عملية إلى روسيا تعبر عن مدى الأزمة الأمريكية وعن تشجيع واشنطن لأتباعها الخليجيين والأتراك للتصعيد العسكري،وقد تمثلت تلك الرسالة بالعمل الإجرامي القرصني الذي نفذته الطائرات التركية بإسقاط طائرة السوخوي الروسية التي كانت مكلفة بضرب مواقع داعش في الأراضي السورية، ما يعني قيام تركيا بتوفير الحماية لمسلحي داعش، (وهذا ما ترجمه رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان بقوله: إن داعش باتت حقيقة لايمكن إزالتها، وعليها فتح قنصلية أو مكتب سياسي لها في استانبول)، وما يؤكد من جانب آخر حقيقة انغماس الإدارة الأمريكية (التي تُشَغِّل أردوغان والرجعية العثمانية لمصلحة مشروعها الصهيوني التوراتي) حتى أذنيها في دعم الإرهاب الدولي الذي تتحمل هي ووكلاؤها من العرب وغير العرب، وزر الجرائم التي ارتكبوها بحق أبناء سورية والعراق وليبيا واليمن وشعوب أخرى ودماء أولئك التي أُهرقت بسبب ذلك.

العدد 1104 - 24/4/2024