ملاحظات حول مشروع التقرير الاقتصادي الاجتماعي

يرسخ الحزب الشيوعي السوري الموحد، بطرحه هذا المشروع للنقاش علناً، تقليداً ضرورياً ومحموداً، درج على اتباعه منذ عدة مؤتمرات، وحبذا لو أن الحزب يستكمل مشروعه هذا بطرح مشروع التقرير السياسي للنقاش أيضاً، قبل المؤتمر الثاني عشر.

وإذ يعرض الحزب رؤيته لجانب رئيسي- أقصد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السابقة لانفجار الأزمة، والسياسات الاقتصادية المستمرة إلى اليوم- من مسببات الأزمة الكارثية التي يعانيها السوريون منذ سنوات، فإنه يطرح مقترحات وبدائل واقعية للسياسات التي أدخلت البلاد في نفق الأزمة.

وللأسف فإن هذا الجانب يغيب أو يُغيّب عن معظم الرؤى والمشاريع التي تطرحها الأحزاب والقوى والتيارات السورية، إذ تركز على الجانب السياسي للأزمة، وهو – دون شك- مهمّ، غير أنه، إن لم يتكامل مع الجانب الاقتصادي الاجتماعي، يوصل إلى حال من العرج والتخبط، ويفتح مجدداً باب التجريب الذي لا يملك السوريون ترف الدخول فيه، فضلاً عن أن ما هُدر من حياة السوريين وثرواتهم واستقرارهم، يجب أن يكون حافزاً للإسراع في إعادة بناء اقتصادنا، وتمتين نسيج مجتمعنا، في سياق بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية، يسودها العدل، ويتاح لمواطنيها جميعاً أن يتمتعوا بحقوقهم وبنتائج عملهم وبثروات بلادهم، وأن يشاركوا في بنائها وازدهارها.

تحليل.. وتركيب

يشير المشروع إلى (بروز ظواهر اجتماعية سلبية غريبة عن المجتمع السوري، إضافة إلى جعل التنوع الديني والعرقي والمذهبي الذي كان يميز سورية ومثار فخرها واعتزازها، أداة وواجهة لإخفاء حقيقة الصراع الدائر عليها دولة وشعباً وموقفاً وحضارة)، غير أن هذا المشروع خلا من الوضوح في تحديد حقيقة (الصراع)، فهل ترك ذلك للتقرير السياسي؟!

رأى الحزب الشيوعي السوري الموحد الذي يستند إلى المنهج المادي الجدلي، ويعتمد التحليل الطبقي أساساً في تحليله للأزمة، منذ انفجارها عام 2011 أنها (مركّبة)، وأن (أساسها داخلي)، ويبدو لي مفيداً أن يعيد التقرير الاقتصادي التذكير بمستويات هذا التركيب، لا أن يكتفي بعبارة (الصراع الدائر عليها).

ويذكّر المشروع بالسياسات الاقتصادية على مدى العشر سنوات قبل الأزمة، ويفنّد نسب النمو التي كان المسؤولون يتباهون بتحقيقها، ويرى أن تلك السياسات أدت، من بين ما أدت إليه، إلى (بروز شراكة وتحالف قوي بين مجموعات من الرأسماليين ورموز متنفذة في السلطة..)، وأرى أن هذا التحالف اتخذ تدريجياً شكل مافيات وشركات للنهب المنظم، وأن ما سهّل عليها ذلك هو استمرار العمل آنذاك بحالة الطوارئ، ما جعل الفساد يستشري عمقاً وارتفاعاً واتساعاً، وأتاح تحت لافتة تعزيز الموقف الوطني، أن يجري في الحقيقة تفريغ هذا الموقف الوطني من مقومات الصمود، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً:

– اقتصادياً، بإهمال الإنتاج الحقيقي.

– واجتماعياً، بإهمال المنتجين ومحاصرتهم ونهبهم.

– وسياسياً، بترسيخ الاستئثار بالسلطة والثروة والنفوذ، وإقصاء غالبية المواطنين وتهميشهم، إن لم يتطابقوا مع (مسطرة) تحددها جهات أمنية تعمل في الظلمة والسر على مبدأ (.. يقصّون أولاً ثم يعدّون)!

تذكير ضروري

وأرى مفيداً أن يذكّر التقرير، في هذا السياق، بأن حكومة العطري- الدردري، قد باعت في عام ،2008 بصفقة واحدة، ثمانية ملايين طن من القمح الذي كان مخزوناً بصفته احتياطياً استراتيجياً لأمننا الغذائي، في الوقت الذي كانت روسيا والصين والهند قد أوقفت صادراتها من الحبوب، وكان قد اتضح أيضاً أن موسم ذلك العام، بسبب الجفاف، لن يكون مثل سابقه، وفوق ذلك، زادت الحكومة الأمر سوءاً، برفعها أسعار المشتقات النفطية في توقيت سيئ للمزارعين، فلم يتمكن كثير منهم من استكمال ريّ محاصيلهم.

والنفط والغاز.. مربط الفرس!

وأرى مفيداً أيضاً أن يشير التقرير إلى أن جانباً أساسياً من (حقيقة الصراع) يتعلق بالنفط والغاز وخطوط نقلهما (من دول الخليج وإيران والعراق وروسيا) مروراً بسورية، فضلاً عن النفط والغاز المكتشفين، أو اللذين لم يبدأ استثمارهما بعد، في أعماق أرضنا ومياهنا الإقليمية.

ويرتبط بهما أيضاً وأساساً صراعُ القوى الدولية (الولايات المتحدة- أوربا- روسيا- الصين)، والإقليمية على مناطق النفوذ.. كما يرتبط بهما أيضاً سعي إسرائيل لترسيخ وجودها في المنطقة دولة يهودية، دون أن تُعيد للفلسطينيين والسوريين وغيرهم، أراضيهم وحقوقهم التي اغتصبتها منذ عشرات السنين.

وإذا كان بعض هذا أو كله يدخل في نطاق الـ(مؤامرة)، فإن مما يقوّي تقريرنا الاقتصادي أن يفنّد الطريقة التي تعاملت بها الحكومات المتعاقبة مع هذه الصراعات، فلا هي صانت سيادة سورية وحقوق الشعب السوري، بتحالفات متوازانة، ولا هي صارحت الشعب وهيّأته لمواجهة الاحتمالات والتهديدات.. والأسوأ أنها تعاملت مع مواطنيها باستهتار وبتهميش لا محدود، وراحت تُفاقم معاناة المواطنين بانسحابها التدريجي أو الصادم من مسؤولياتها الاجتماعية، وصمّت آذانها عن آراء القوى والأحزاب والنقابات والمختصين وتحذيراتهم من خطورة سياساتها وممارساتها.

الآن.. وغداً..

واليوم إذا تتسارع الجهود والمساعي السلمية لحل الأزمة، وأملنا أن تُكلّل هذه الجهود بالنجاح سريعاً، فإن وضوح تقاريرنا – الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي، يسهم في الاستفادة من درس الأزمة، ويفتح الباب للبدائل المنطقية المتسقة مع مصالح شعبنا ووطننا.. وأرى مفيداً أن يضاف إلى المقترحات بندٌ يضمن تشجيع العمل التعاوني وتخليصه من الفساد والتسلط عليه، وإعلاء قيم التعاون والتعاضد في مجتمعنا.

العدد 1104 - 24/4/2024