هروب سعودي ــ تركي إلى الأمام عبر التلويح بعدوان عسكري بري على الأراضي السورية

ثمة حالة من التخبط والارتباك تعيشها الرياض وأنقرة، بسبب ما أحرزته القوات المسلحة السورية في الشمال السوري مؤخراً، وماتحرزه اليوم وما سوف تحرزه غداً وبعد غد وبعد بعد غد، ولاسيما لجهة قطع طريق الإمداد ما بين أماكن وجود الجماعات الإرهابية والحدود التركية والعراقية، وتقطيع أوصالها، إذ غلب الانفعال على تصريحات المسؤولين السعوديين والأتراك، إلى درجة التهديد بالتدخل العسكري البري في الشمال السوري، والذهاب باتجاه الإعلان عن عزم البلدين على هذا التدخل، في محاولة لفرض معادلة جديدة على الأرض يمكن استغلالها في أي حوار إقليمي أو دولي، يندرج في إطار البحث عن حل سياسي على الساحة السورية.

ومن دون شك فإن التطورات الإيجابية للوضع الميداني في الساحة السورية، والتراجع المتتالي للجماعات المسلحة المدعومة من الرياض، وإخفاق الأخيرة على الصعيدين السياسي والعسكري في الساحة اليمنية، وعدم قدرة آل سعود على الحيلولة دون إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، تلك الإخفاقات دفعت بالقيّمين على مقدرات بلاد الحجاز للهروب إلى الأمام، بعرض اقتراح على حلف الناتو يقضي بقيامه بتغطية عدوان عسكري سعودي بري على سورية، وضمان تغطية عربية إسلامية لعدوان بري تركي مماثل، على غرار العدوان السعودي التركي الذي يشن منذ العام الماضي على اليمن.

في ضوء ما تقدم، يمكن وضع الاقتراحات السعودية التركية في خانة التهديد باستخدام القوة والتدخل العسكري في الشأن السوري بغية تحسين موقف أتباعهما في جنيف، بعد أن بات ظهر الرياض وأنقرة للحائط، ما دفعهما إلى طرح اقتراحات مرتجلة تعكس نهجهما السياسي المعادي المستمر.

بيد أن محاولات أنقرة والرياض خلط الأوراق من خلال ما يجول في عقليهما من أوهام حول إمكانية توريط الناتو بالتصادم مع روسيا وإيران، تعكس مدى الأزمة التي يعيشها نظاما سعود وأردوغان في المرحلة الراهنة، خاصة أن تلك المحاولات كانت موضع سخرية ورفض من قبل واشنطن نظراً لما تنطوي عليه من قصر نظر سياسي وعسكري يحكم تصرفات الحلف الأردوغاني – السعودي، مع الأخذ بالاعتبار في آن واحد أن واشنطن ترحب بأي محاولة سياسية تضع حداً أو أقله عرقلةً للدور الروسي على الساحة الدولية عموماً وفي شرق المتوسط على وجه الخصوص، لكن من غير أن يؤدي ذلك إلى درجة التصادم المباشر بين القوتين العظميين.

من المفيد أخيراً الإشارة إلى الزيارة السرية التي قام بها مؤخراً وزير خارجية آل سعود عادل الجبير إلى الكيان الإسرائيلي، ورافقه فيها رئيس جهاز الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، ولقاءاتهما مع رئيس جهاز الموساد ومع بنيامين نتنياهو، فقد تمحورت الزيارة حول طلب الجبير من تل أبيب تدخُّلاً عسكرياً (إسرائيلياً) مباشراً في الجنوب السوري، في حالة البدء بتنفيذ عدوان بري سعودي تركي على الأراضي السورية في شمال البلاد.

هنا لابد من التوقف عند معلومات صحافية أشارت في وقت سابق إلى ضخ الأسلحة من أنقرة إلى جماعاتها المسلحة في الداخل السوري، بالتزامن مع تعزيزات عسكرية تركية مكثّفة جرى إرسالها إلى المناطق الحدودية مع سورية، ما يشير إلى أن ثمة اتجاهاً متصاعداً تقوده السعودية وتركيا نحو التدخل البرّي على الأرض السورية، ستحاول واشنطن توظيفه تحت زعم محاربة الإرهاب وهزمه، وإيهام الرأي العام الدولي (من خلال إطلاق شعارات حقّ يُراد بها باطل) بأن هذا التدخل العدواني سيضمن التوصل إلى حلّ سياسي للمسألة السورية.

ليس جديداً علينا النفاق السياسي الذي تمارسه الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه قضايانا الوطنية المشروعة ولا تزال، ولاشك أن الجميع يدرك حقيقة النهج السياسي الأمريكي القائم على تعدد المعايير، وعلى الكيل بأكثر من مكيال.

العدد 1102 - 03/4/2024