الدعم الروسي لسورية بداية فعالة للقضاء على الإرهاب وإنجاز التعددية القطبية

 لم يكن مفاجئاً أو مستغرباً ممن يتقنون قراءة جوهر العلاقات ذات الطابع الاستراتيجي بين الدول (وخلفياتها)، أن يروا بأم أعينهم إحياءً عملياً وفاعلاً لعلاقات التعاون والتنسيق الإستراتيجي التي جرى نسجها بين سورية وروسيا، وترجمتها إلى واقع ملموس منذ أكثر من نصف قرن، والتي كان من أهم ثمارها انصهار الفعل الوطني السوري الروسي المشترك في بوتقة المواجهة والتصدي للخطر الأكبر المتمثل بالإرهاب الذي يهدد اليوم عالمنا المعاصر والمنطقة العربية عموماً وسورية وروسيا بشكل خاص، وهو تصدٍّ ومواجهة جرت ترجمتهما عبر التحالف السوري الروسي الذي مهد للمساعدة العسكرية الروسية الداعمة للجيش العربي السوري في مهامه الوطنية الكفيلة بمكافحة التنظيمات الإرهابية والقضاء على الإرهاب.

ولاشك بأن التشاور والتنسيق والحوار الإيجابي المستمر بين دمشق وموسكو قد ارتقى إلى أعلى المستويات بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، موسعاً إطار وطيف هذا التعاون متعدد الميادين ومختلف المجالات ولاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال إصرار الجانبين على المضي في هذا الطريق الذي أوقف تمدد التنظيمات الإرهابية ومن ثمّ المضي في عملية دحر الارهابيين والقضاء على الإرهاب الذي يعرقل الحل السياسي المنشود، مع تأكيد الجانبين أن الكلمة الحاسمة فيما يتعلق بمستقبل سورية سوف يقولها الشعب السوري الذي يواجه المؤامرة بدعمٍ أخلاقي صادق وشريف من مكونات محور المقاومة العربية والإقليمية والدولية بأشكالٍ وصورٍ مباشرة وغير مباشرة وعلى مختلف الصعد العسكرية والاقتصادية والانسانية.

لدى الحديث عن العلاقات بين الدول وتوضيح ماهيتها، لابد من تصنيف وتوصيف هذه العلاقات من حيث كونها إما (علاقات منفعة مشروعة متبادلة ومصالح مشروعة مشتركة)، وهي تلك القائمة بين سورية وروسيا والمرتكزة أساساً إلى تمسك سورية بسيادتها الوطنية من جهة وحرص القيادة الروسية على هذه السيادة من جهة أخرى، أو (علاقات تبعية تجعل طرفاً مسلوب السيادة والإرادة تابعاً للطرف الآخر) وهي تلك القائمة بين الغرب الاستعماري والرجعية العربية ، وبمعنى آخر بين الآمر والمأمور.

والمراد من هذا التصنيف المنطقي، توصيف العلاقات السورية الروسية باعتبارها ليست علاقات بين نظامين يسعى كل منهما لتحقيق مصلحة ما على حساب مصلحة الآخر، بل علاقات بين شعبين يحكمهما الحرص المشترك على تحقيق مصالحهما الوطنية المشروعة من خلال التلاقي والانسجام والتفاهم والتناغم الأخلاقي، وباتت تلك العلاقات منذ منتصف القرن الماضي (كانت روسيا أول من اعترف باستقلال سورية في عام 1946)، وخاصة خلال السنوات العشر الماضية، إذ باتت تلك العلاقات نموذجاً قدوة ينبغي أن يحتذى باعتبارها علاقات شراكة استراتيجية تؤسس للتعاون في مختلف المجالات التي تهم البلدين والشعبين الصديقين، ولاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، إذ تقود روسيا اليوم بالتعاون مع سورية الجهد الدولي الحقيقي الهادف بصدق للقضاء على الإرهاب، مايؤكد وصول دمشق وموسكو في علاقاتهما الثنائية إلى أرفع مستويات التعاون والتعاضد التي بلغت مستوى تحديد المرتكزات الجيوسياسية الكفيلة بصورة عملية بتحقيق المصالح المشروعة لشعبي البلدين ولغيرهما من شعوب العالم، من خلال قيادة مشتركة (من البلدان التي تناهض في سياستها المشاريع الأمريكية المبيتة والموجهة ضد مصالح شعوب العالم)، والسير بعالمنا المعاصر نحو مجتمعات متقدمة يسودها العدل والحق والتعامل الإنساني النظيف، بعيداً عن الأحادية القطبية والأيديولوجيات الامبريالية والصهيونية والرجعية التي تهدف أولاً وأخيراً إلى استعباد شعوب العالم ونهب ثرواتها الوطنية.

وهنا لابد من إجراء مقارنة موضوعية بين سياسة الغرب الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والرامية إلى سلب سورية حريتها وسيادتها من خلال محاولاتها الهادفة إلى السيطرة على قرارها الوطني وتوظيف ثرواتها الوطنية في خدمة المشروع الإمبريالي الصهيوني ، والسياسة العقلانية الأخلاقية التي تنتهجها القيادة الروسية تجاه سورية والمستندة إلى قوانين الشرعية الدولية ومواثيقها انطلاقاً من مبدأ احترام السيادة السورية والحفاظ على الوحدة السورية أرضاً وشعباً وصيانة المؤسسات الوطنية السورية والعمل من أجل إعادة بناء مادمرته السياسة الأمريكية وعملاؤها في المنطقتين العربية والإقليمية في سورية، وقد انعكست علاقات الصداقة الصلبة القائمة على الاحترام المتبادل والمساهمة الفعلية ليس فقط في الدعم العسكري الروسي غير المسبوق ، بل في العمل على التقليل ما أمكن من آثار العدوان العربي الرجعي والغربي الاستعماري والرأسمالية الغربية المتوحشة والعقوبات الاقتصادية التي فرضها كل هؤلاء على سورية ، وذلك من خلال المساعدات الإنسانية المشهودة التي يقدمها الشعب الروسي الصديق للشعب السوري. والملاحظ بوضوح أن سورية لم تغب يوماً عن البال الروسي لجملة من الأسباب التي وُجدت وتجذرت منذ أكثر من ألف عام خلال العهد القيصري ومن ثم في الحقبة السوفييتية ولن تغيب، بل إنها ترسخت وتزداد رسوخاً في العصر الراهن ، إذ بدا واضحاً مدى انسجام الرؤى والمواقف الثنائية المتطابقة تجاه القضايا الدولية الراهنة وخاصة العربية والإقليمية ، فضلاً عن تجذر العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين الصديقين تتوج برفضٍ روسيٍ لأية تغييرات في بنية الدولة السورية أو في التركيبة الديموغرافية للشعب السوري، وحرصٍ من موسكو على أن يكون دعمها العسكري لسورية مدخلاً لدعم مؤسسات الدولة السورية وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية السورية المتمثلة بالجيش العربي السوري انطلاقاً من تسليمها بأن الهدف من الحرب المفروضة على سورية هو تفكيك الدولة السورية، وتقسيمها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية ، مايعني دعماً روسياً مطلقاً لبقاء الدولة السورية.

إلى جانب ماتقدم يمكن القول إن موسكو أرادت من مبادرتها الخاصة بدعم سورية والجيش العربي السوري في التصدي للإرهابيين، الشروع بتشكيل جدار صلب ومنيع صادٍّ للفكر الداعشي الذي يتجه باتجاه الجمهوريات السوفييتية سابقاً: أوزبكستان كازاخستان طاجيكستان قيرغيزستان تركمنستان أذربيجان جورجيا وأرمينيا ، ذلك الجدار الذي يمكن روسيا من بلورة قوام الاتحاد الأوراسي وتعزيز علاقات موسكو ببلدان آسيا الوسطى.

هنا يمكن القول إن الدخول الروسي على خط الأزمة السورية يلعب في المقام الأول دوراً مؤثراً بل وحاسماً في منع تفتيت سورية من جهة ، وتعزيز علاقات روسيا بدول آسيا الوسطى من جهة أخرى ، نظراً لما تشكله سورية من بوابة على درجة كبيرة من الأهمية الاستراتيجية لعودة مسألة الاتحاد الأوراسي لتتصدر القضايا الاستراتيجية التي تسعى موسكو إلى الانتقال بها نقلة نوعية إلى الأمام، لاسيما أن موسكو تجد في سورية حليفاً استراتيجياً لها من حيث قدم العلاقات السورية الروسية وحيويتها بالنسبة لمصالح البلدين، وقد سبق للرئيس فلاديمير بوتين أن أكد أن روسيا مصرّة على وحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها كدولة علمانية ديمقراطية تعددية يعيش أبناؤها بكل فئاتهم فيها بسلام وأمان ويتساوون بالحقوق.

العدد 1104 - 24/4/2024