تأتأة عمر الخليل الواضحة جداً!

ماذا تفعل عندما يأتيك ديوان شعر جديد، عنوانه تأتأة؟!

بالطبع، ستضعه جانباً لتبدأ بقراءته عند أول فرصة، فتكتشف المفارقة. أما أنا، فقد قرأته على الفور. قرأته لأن العنوان جذبني، ولأن قصائده قصيرة، ولأن صاحب الديوان أعرفه جيداً، فمن هو؟

هو عمر الخليل شقيق لصديقي الراحل الصحفي خليل الخليل، لكنه يُعرّف نفسه بطريقته:

(أنا المدن التي تأكل أبناءها كالقطة.

وأنا أغاني العبيد المغموسة بالدم والصلوات..

وأنا خطو الخيل التي يبست في الهاجرة..).

وعندما يقرأ الصحفيون عادة مجموعة أشعار حديثة لشاعر شاب، يقرؤونه بملل، وكأنهم أكبر من إضاعة الوقت على الشعر القديم كله، فكيف إذا كان الشعر عبارة عن بوح على ورق. والمفارقة أنني لم أجد فيه عبئاً، وسعيت لقراءة بعض المقاطع أكثر من مرة، وها أنذا أستعيد منها شيئاً جميلاً:

(حينما ينام: ينام البحر على كتفي

وتصمت الفصول

وأحرس أنا أصابع كفه الصغيرة من قبل العصافير

أستجير بدفئها بعد أن نفذ حطب العمر..

وورق البوح وخانتني الأغنيات!)

وفي قصيدة (تأتأة)، التي أخذ اسمها للعنوان، نقرأ عن مالايريد قوله، لذلك تتعثر كلماته بأسرار السفر والجوع والغربة، فتراه يحدثك عن بودلير، وعن مغنية المترو الهندية، وعن المرأة الألبانية، وعن باريس:

(تحت سماء باريس الرمادية

تتشابه الوجوه والأسماء والأحزان

سماؤها ليست سماء

حنين قبعات الغرباء إلى سماء بعيدة..

في باريس، أُقعي بجانب حزني.. أمد ساقي

باتجاه الصيف وأقشر الليل كبرتقالة…)

كان يمكن لي أن أكتب أكثر عن تأتأة عمر الخليل. كان يمكن لي أن أذهب إلى أقصى مايريد من قصائده، ولكني لم أشأ أن أكون ناقداً، أردت أن أكون قارئاً، فأحكي عما قرأت، وها أنذا أقرأ مقطعاً عن دمشق قبل أن أوقف حديثي عنه:

(أنا البهية التي تشعل الشمس بيمناها وترفع بيسراها السماء/ فلتحترق كل القصائد/ عند أقدام توجعي الأزلي../ ولتستمع حين أبدأ الغناء/ فأنا ألف ألف نفري وألف ألف.. ابن عربي../ أنا البداية والنهاية وأنا مابينهما/ وأنا الصمت والكلام../ وأنا التي تتكئ العصور على تعبي/ كي تستريح وأنا الجروح التي تمطر عشاقاً وشهداء/ أنا دمشق التي حين تجرُّ ثوبها على جسد الموت/ تزهر يداه خطاة وأنبياء).

العدد 1102 - 03/4/2024