هذا الازدحام على «الهجرة» و«الجوازات»!

ثمة شيء اسمه الهجرة من الوطن!

والهجرة من الوطن هي أصعب لحظة من لحظات الحياة، ونحن جربنا الغربة المؤقتة، جربناها أكثر من مرة، سواء في السفر من أجل العمل، أو في السفر الطويل بمهمة صحفية أو برحلة سياحية ما.

دائماً هناك حنين للوطن، حنين لهوائه ومائه وترابه وأهله. ودائماً ندفع ثمن اتصالات كثيرة للاطمئنان على الأسرة والأهل والاصدقاء، رغم أننا قد نعود بعد أسبوع أو أسبوعين أو حتى شهر!

جربنا الغربة المؤقتة، فوجدناها قاسية صعبة، يشتعل فيها الحنين والوجد، فيصبح لكل شيء نألفه من حولنا معنى. أما الهجرة، فأنا لم أجربها. وهي الآن قائمة على قدم وساق، قد تكون مؤقتة أو دائمة، لكنها قائمة على قدم وساق.. وأنا لن أجربها!

الهجرة قائمة، وسببها الأزمة.. سببها الصراع في سورية والصراع على سورية، وكم دفع السوريون ثمناً لهذين النوعين من الصراع! سببها الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل، وهل يعقل هذا الخوف؟! سببها فقدان الموقف، وهل يعقل أن يفقد البعض مواقفهم؟!

سأحكي لكم شيئاً، فقد كنا في الثمانينات من القرن الماضي، نتغنى بمقولة لرسول حمزاتوف تقول: إذا أطلقت سهامك على الماضي، فالمستقبل يطلق مدافعه عليك!

يا ألله كم كنا نعتز بمحاولة ربط الماضي التليد بالمستقبل الوليد.. يا ألله كم تعبنا ونحن نعمل على هذا الخط! كم كتبنا، كم تناقشنا، كم مجلد قرأنا لأحمد أمين وللطيب تيزيني وحسين مروة ومحمود أمين العالم وعصمت سيف الدولة وغيرهم!

أما الآن.. فتصوروا!

هناك خوف من الماضي والحاضر والمستقبل!

اليائسون ليس لهم حلم!

لذلك يهاجر الناس، يحملون ماخف حمله ويسافرون، إلى الدرجة التي أعلنت فيها وزارة الداخلية أنها ستعمل ليل نهار لتأمين جوازات السفر لمن يرغب. هي محقة، فهذه مهمتها. لكن مامعنى هذا الازدحام على (الهجرة) و(الجوازات)؟

ما معنى السفر في غير وقت السفر؟! ما معنى السفر إلى غير الوطن؟!

ما معنى آخر حكمة سمعتها: نيال من جوز ابنته على الغربة، على الأقل تستقبله ولو لشهر أو شهرين!

أتعرفون أقسى عقوبة كان الاستعمار يفرضها علينا في مختلف المراحل؟!

النفي! نعم النفي بعيداً عن الوطن، فما بالكم تسافرون بعيداً عن الوطن، وتتركونه؟! ولماذا تعاقبون أنفسكم؟

كثيرون ممن أعرفهم.. سافروا، أو يفكرون بالسفر!

في لحظة من اللحظات لم يبق في البناية التي أسكن فيها إلا أنا. صعدت على الدرج وأنا أغني. هل تعرفون ماذا غنيت؟! غنيت لمحمود درويش: وكنت وحدي ثم وحدي.. آه ياوحدي وأحمد!

أقترح عليكم الهجرة إلى الوطن، ولن يصيبكم إلا ماكتب الله لكم.. وسورية أقوى ونحن فيها من أن نكون خارجها!

العدد 1104 - 24/4/2024